يوسف الحربي


4-5 دقائق

للمرة الأولى منذ انطلاقته قبل 6 عقود، هذا العام يأتي خاليا من الاحتفاء بيوم المسرح العالمي، على خلفية الحدث العالمي الأبرز (كورونا) الذي ما فتئ يتغول يمنة ويسرة، ملتهما كل مظاهر الحياة المعتادة حتى حين.

وهكذا رأينا كيف أن أبا الفنون تأثر سلبا بذلك بعد أن كانت له اليد الطولى وراء ظهور بقية الفنون الجميلة، فاختفت النشاطات وروادها والفعاليات ونقادها والندوات ومتابعوها، إنه أمر غير مألوف لكل من دأب على الاهتمام بالمسرح بشكل خاص والفن بشكل عام، بلا شك فإننا نتفهم ونشجع بقاء الناس في بيوتها من أجل الصالح العام، وسلامة الجميع، حيث إن الالتزام بقرارات القيادة يعكس الوعي الحقيقي للمجتمع وأفراده، وهو بالمناسبة أحد ما يعمل الفن على ترسيخه للمتلقي.

بالمقابل لن يركن المسرح الى ذلك، فالمملكة بمثقفيها تعترف بتاريخ هذا الفن العريق والعميق بقدرة التعبير الحركي الذي اكتسح بالنصوص عمق المعاني، لأن المسرح كان ولا يزال همزة الوصل الحقيقية بين الثقافة والمجتمع، ومرّر الكثير من الرسائل النبيلة التي ارتقت بالإنسان وتعمّقت في الهوية وانطلقت من محبة الوطن بتقديم مسرحيات متنوعة، حيث إنها لم تترك موضوعا إلا وتناولته وعرضته باختلاف أساليب الأداء وتصنيفاته من الكوميديا إلى الدراما من العروض الجماعية إلى العروض الفردية باللغة العربية وباللهجة العامية بالصمت وبالصخب، بالسرد المحكي الأدائي وبالتقمص التمثيلي.

فالتعبير من خلال المسرح لم يحد يوما عن دوره الريادي بوضع الإنسان السعودي أمام مرايا ذاته، التي انعكس فيها باختلاف أنماطه وقضاياه حيث ارتقى بتطوير الوعي الحسي الفني الجماعي إلى تطوير عناصره التعبيرية بالعمق والبحث والتجريب ما جعله مرآة انعكس من خلالها ليرى عيوبه وتناقضاته، فكان المجتمع يستنير بالرسائل الإبداعية في المسرح ليكون أفضل وأرقى ويتجاوز، وكان المسرح من خلال الجمهور يحاول أن يتجاوز كل ثغراته ليكون أعمق وأقرب، ولتصبح العلاقة بين المسرح والمجتمع علاقة مستمرة بالتوازي والانفتاح والإصلاح والتوافق من الموهبة إلى الإبداع ومنه إلى المنافسة والتطور الذي بفضله استطاع أن يخلق النموذج المعاصر.

ولعل المسابقة التي تم الإعلان عنها مؤخرا من قبل هيئة المسرح والفنون الأدائية تفصح عن الكثير من الرؤية الحقيقية التي نعيشها حاليا، حيث إدراك مفهوم المسرح وقدرته على التغيير وإحداث الفارق المراد.

والمحصلة النهائية تبين أن المسرح هو وعي ينمي مداركنا عبر خشبة تنقل الفكر كما يجب لتمنح المشاهد ما يحتاج من زاد معرفي ويكون بوابة التطور وكل ما يساعد في ارتقاء المجتمع إلى مرتبة أعلى، فعلى ذلك يكون يوم المسرح هو يوما للتوعية والرقي إن شئت، فهذا هو دوره الذي يلتزم به ويستوعبه كل محب له بمرور السنين.