منذ اليوم الأول لاكتشاف انتشار وباء كورونا، والتكهنات تتوالى عن نظرية المؤامرة، ودورها في تخليق الفيروس، والاتهامات متبادلة بين الصين، والولايات المتحدة بالتحديد.
في تيار الاتهامات، كان الجانب الأمريكي يركز اتهامه على واقعة بدء ظهور الميكروب في بلدة ووهان الصينية، مع إشارة إلى معهد Virology للأبحاث البيولوجية في ووهان، الذي افتتح عام 2014، وما صرحت به مصادر فرنسية عن مشاركة علماء فرنسيين في هذا النوع من الأبحاث، وإشارتهم إلى أن الفيروس ربما تواجد نتيجة خطأ، وليس عن قصد، وقولهم إن أبحاثاً كانت تجرى على طائر الخفاش، وربما يكون أحدها قد طار إلى خارج المعمل حاملاً معه الوباء، كما اتفقت مراكز أبحاث في الغرب على أن الصين لديها برنامج متقدم للحرب الكيماوية، في إطار البحوث العسكرية.

وعلى الناحية الأخرى، اتهم مسؤول صيني الولايات المتحدة، بأنها كانت وراء نشر هذا الوباء، عندما كانت بعثة عسكرية أمريكية تشارك في دورة ألعاب رياضية للعسكريين من دول العالم، أقيمت في بلدة ووهان، وليس مسبتعداً أن تكون هذه البعثة ألقت بعبوة تحوي الفيروس، في المدينة، وفي تيار هذا التوجه، جرى فتح ملفات قديمة، منها أن المتابعة الإعلامية لحرب فيتنام، أظهرت وجود احتمالات قوية لاستخدام الجيش الأمريكي الأسلحة البيولوجية في هذه الحرب.

كما أن فريقاً من العلماء الدوليين اكتشف وجود آثار لسلاح بيولوجي عرف باسم Orang Agent في فيتنام، والذي يحوي مكونات شديدة السمية أخطر مما عرفها الإنسان، وأن هذا السلاح البيولوجي بقيت مكوناته في التربة الفيتنامية مدمراً حياة من يتعرضون له.

وفى عام 1952 اكتشفت الصين انتشار أمراض خطيرة في كوريا الشمالية نتيجة استخدام أمريكا أسلحة بيولوجية في الحرب هناك، وطبقاً للدراسات العلمية التي نشرت في الولايات المتحدة، فإن البرنامج الأمريكي للأسلحة البيولوجية، كان بدأ عام 1943، واستمرت الأبحاث بعد الحرب العالمية الثانية، عندما أنشأت الولايات المتحدة معملاً للمخزون الاحتياطي للمكونات البيولوجية، واستمرت الأبحاث طوال السنوات اللاحقة، بدءاً من إنشاء المعمل الرئيسي للأبحاث البيولوجية عام 1952، في كامب ديتريك بولاية ميريلاند، تحت إشراف الإدارة الهندسية والأبحاث التابعة للفرع الكيميائي للجيش الأمريكي.

وفي عام 1964 حدث تغيير في الأبحاث باستخدام الطعام المسموم، مع إدخال مسببات لعدد من الأمراض عن طريق السلاح البيولوجي، وعندما حدث رد فعل داخلي غاضب في الولايات المتحدة من خطورة هذه الأسلحة، شعرت إدارة الرئيس نيكسون، في أواخر الستينات، بالحاجة العاجلة لضرورة إيقاف تطوير الأسلحة البيولوجية، وأعلن نيكسون في عام 1969، من جانب واحد، التوقف عن برنامج الحرب البيولوجية، وأكد أن الأبحاث ستقتصر على الإجراءات الوقائية.

إن الشعور باحتمالات حدوث انعكاسات خطيرة على الدولة التي تدير هذه الأبحاث، وتنتج أسلحتها، ظل مصاحباً لهذا النشاط، وتأكد ذلك في عام 2008 عندما أصدر مكتب المحاسبة الحكومية الأمريكية تقريراً بعنوان «الدفاع الكيماوي والبيولوجي»، قال فيه إن عشرات الأشخاص يتعرضون لأمراض خطيرة نتيجة قربهم من مواقع إجراء التجارب على هذه الأسلحة.

والتداعيات التي نتجت عن بدء ظهور فيروس كورونا في أولى حالاته، من انتشار وبائي اجتاح كل دول العالم بلا استثناء، تزيد من الاقتناع بأن البداية قد لا تكون من فعل مؤامرة، ولكنها يمكن أن تكون ناتجة عن خطأ معملي، وبالرغم من الاتهامات المتبادلة بين الصينيين والأمريكيين في البداية، إلا أن الجميع شعروا بالقلق من اتساع، وتنامي أخطار الوباء، حيث ثبت أنهم غير محصنين من الخطر الذي اقتحم حياتهم من دون تمييز.

ولعل ذلك ما أدركه الجانبان، ودفعهما إلى التقارب من أجل عمل مشترك، حيث جرى اتصال من الرئيس الصيني بالرئيس الأمريكي، وإبلاغه بضرورة الاتحاد بين البلدين لمكافحة الوباء المستجد، في بادرة للتهدئة والتعاون.

والآن، لعل القوى الكبرى التي تنفق المليارات من الدولارات على أبحاث القتل البيولوجي، تدرك أن العالم بأسره يحتاج إلى توجيه هذه المليارات نحو تعويض الشعوب عما ألمّ بها، ليس من خسائر فقط، بل من كوارث، لم يكن لها يد فيها.