ما يجري في لبنان ليس أزمةً ماليةً، إنما هو حلقة من سلسلة انقلابية بدأت منذ عقود، حبكها “حزب الله” بتوجيه من الذهنية الإيرانية الشريرة، هدفها تنفيذ ما قاله حسن نصرالله، في منتصف ثمانينات القرن الماضي: “نحن لا نسعى إلى جمهورية إسلامية في لبنان، بل نعمل على أن يكون جزءاً من دولة الولي الفقيه في إيران”.

رغم كل التَّصريحات والخطب الرنانة عن سيادة واستقلال القرار، و”عدم تدخل إيران بالشأن اللبناني” بقي الحزب الشيطانيُّ على سيرته الأولى، منفذا مخطط الهيمنة، عبر سياسة “حياكة السجاد” طويلة النفس، لذا بدأ بالسيطرة على الطائفة الشيعية وخطف قرارها ليحجز له دوراً في التسويات السياسية لاحقا، فهذا البلد كما قال الرئيس شارل دباس: “لا يُحكم بالدستور إنما بالتسويات”.

لاحقاً، كان الإمساك بخناق الشعب اللبناني من خلال لقمة عيشه هدفاً أساسياً لحزب التآمرالذي لم يألُ جهداً للإطباق على كل مفاصل الدولة والتغلغل في مختلف دوائر السلطة، بدءا بمجلس النواب من خلال وديعة عدادها 29 نائباً، مروراً بالحكومات المتعاقبة منذ العام 2000، ثم عبر تعطيل المؤسسات الدستورية وعرقلة تشكيل الحكومات، وتعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية، من أجل إيصال مُرشحه إلى القصرالرئاسي، ليكمل خطته بإدخال حسان دياب، حصان طروادة، إلى رئاسة الحكومة.

لذا فإن الإعصار المالي الذي يضرب لبنان حالياً هو حلقة من حلقات مُخططه، لأنه يدرك جيداً أن وجود نظام مصرفيٍّ حُرٍّ فيه يعني استحالة الإطباق على الدولة، نتيجة لطبيعة المحاذير الدولية والعربية في هذا الشأن، وأن إفلاس هذا القطاع المهم، وتأميم البنوك، الطريق الأمثل للإطباق على ما تبقى من الدولة.

حاول اللبنانيون طوال العقود الماضية مداواة هذا المرض العُضال بالمسكنات، التسويات، رغم معرفتهم المُسبقة أن ذلك لن يوقف زحفه، غير أنهم ارتضوا تأجيل الإقدام على آخر العلاج، إما خوفاً من السلاح غير الشرعي المُشهر في وجوههم، لا سيما بعد حمام الدم الذي بدأه باغتيال الشهيد رفيق الحريري، وبقية شهداء ثورة الأرز، وإما للاستفادة من الوقت الضائع علَّ التِّرياق يأتي من الخارج.

حالياً المؤامرة بلغت ذروتها والتهديد لم يعد سياسياً فقط كما يتصوَّر البعض، إنما بات عملاً ممنهجاً لتفقيرالشعب وإفلاس الدولة، ولأن الرغيف لا يعرف ديناً أو طائفة أو حزباً، فإن أول المتضررين سيكون من يسميهم نصرالله “البيئة الحاضنة للمقاومة”، فغالبية الطائفة الشيعية، كما بقية اللبنانيين، ترزح تحت عبء فقر لا يطاق، خصوصاً بعد ما أصبح سعر صرف الدولار يُحلِّق أسرع من الصواريخ الاستعراضية التي يختبئ خلفها قادة نظام الملالي وعملاؤهم من العرب.

ما يسعى إليه هذا الحزب الشيطاني أبعد بكثير من المطالبة بمحاكمة فاسد، أو تنحية مسؤول، إنه انقلابٌ كاملُ الأوصاف على كل الصيغة يستهدف تغيير وجه لبنان وجعل الليرة تُماثل التومان الإيراني بالانهيار، وبخاصة بعد أن رفع العرب أيديهم عنه، وأدارت الدول الغربية كافة ظهرها إليه، لذلك فإن ما ينتظر بلاد الأرز هذه المرة ثورة ليست مدفوعة من أحزاب مُتسلطة، أو تيارات سياسية معارضة، إنما ثورة جياع عامة على الحزب الذي أفقرهم، وجعل بلدهم مزرعة للإرهاب، ولن تفيد نصرالله كل الشعارات والترهات عن انتصارات محور الممانعة، فالبطون الجائعة صوتها أعلى من الشعارات الزائفة.

لا شكَّ أنَّ اللبنانيين الذين جعلهم “حزب الله” يشتهون الرغيف، لن يستطيع حسن نصرالله بكل ما أُوتي من دهاء الخسة أن يدعوهم إلى تناول البسكويت، اقتداءً بالملكة الفرنسية ماري انطوانيت، يوم ردَّت على صراخ فقراء فرنسا قبل نحو قرنين، إنما سيأكلون لحمَ مَنْ جَوَّعهم، لحمَ أهل السلطة وشركائهم وداعميهم، من بيروت حتى طهران.