تجارب النجاح في العالم كثيرة وتوقد الأمل في النفس، فلو نظرنا لتجربة كوريا الجنوبية التي عانت من الحروب والفقر والجهل، وافتقار البلد لمصادر الطاقة وشح الموارد الطبيعية، وتغير ذلك الحال بسبب رؤية الرئيس السابق بارك جونغ هي الذي حكم منذ 1962 حتى 1979، وركز على الاستثمار من خلال تطوير التعليم لتنمية القدرات والطاقات البشرية، وذلك ساهم في إخراج البلد من حالة العدم إلى سُلم النهضة الاقتصادية، وقد سار خَلَفَه على ذات النهج التنموي ذي الرؤية المستقبلية المتماشية مع التطور والتغيير رغم بعض المآخذ على تطبيق الديموقراطية بالشكل الصحيح، حيث سيطر النظام العسكري الذي وقف بالمرصاد لكل الحركات المعارضة التي تطالب بالديموقراطية والعدالة الاجتماعية، وبفضل إصرار المجتمع المدني، وحكمة النظام اضمحلت تلك السيطرة في أواخر 1983، أي بعد ما يقارب 35 سنة على تأسيس الديموقراطية، وكان لذلك أثر طيب في نفوس المواطنين، الذين تدافعوا للتبرع بأغلى ما يملكون من الذهب لسداد ديون بلدهم حين تعرض اقتصادهم للانهيار في أزمة 1997.

مقاربة لقصتنا رغم ان ظروفنا كانت أفضل بكثير، ولكن هم طوروا من أنفسهم وتعلموا ممن حولهم وعملوا وحققوا نهضة وطنهم، ونحن كذلك بدأنا ونهضنا، ولكن لم نطور رؤيتنا، وظللنا نستذكر أمجاد من سبقونا دون تأمل وتدبر، وفاتنا القطار ولن يعود إلا بعد خمسين سنة وحالنا ما زال متدهورا.

رغم الوفرة المالية التي حظيت بها الكويت من النفط قبل هبوط الأسعار، ونحن نموج بين خطة خمسية وأخرى، وقرارات ارتجالية تتغير في آخر لحظة، واصبح الإصلاح وهما، والفساد ينمو في أغلب مؤسسات البلد، والنظام التعليمي متهالك ولا يواكب سوق العمل، والديموقراطية مجرد مانشيت للتفاخر لا تطبق اغلب مبادئها!

اليوم تنذر الحكومة مرة أخرى عن تدهور الوضع المالي، وضرورة إقرار الدين العام لسد العجوزات المالية، ولاقى الخبر ردود أفعال متباينة وبعضها مشككة، رغم أن الأمر ليس مستبعدا بسبب السياسات الحكومية المتعاقبة التي لم تنظر للمستقبل بشكل صحيح، وهذا ما زعزع ثقة أغلب المواطنين بمصداقية وقدرة الإدارة التي أصبحت رهينة السجلات والمساومات السياسية التي انهكت كاهل البلد، الحل يبدأ بوقف الهدر ومكافحة الفساد، وتطبيق الحوكمة والتقيد بمبادئها، لكسب ثقة الشعب وتأييده في إجراء الإصلاحات الهيكلية للازمة.

استبشرت الخير في الجهد الذي بذلته الدولة في مواجهة الوباء، وتكفلها مؤخرا بكل مصاريف عودة (المخالفين للإقامة) لأحضان أوطانهم، وكان من المفترض أن يتحمل ذلك كفلاء هذه العمالة، ومحاسبة كل مسؤول غض النظر عن تلك المخالفات الجسيمة المسكوت عنها لسنوات طوال دون اتخاذ إجراء!

الظروف تحتم أحيانا تقديم الجانب الإنساني، والحكومة مشكورة على موقفها الرحيم تجاه تلك العمالة، ولكن ماذا عن أبناء الوطن الذين تلقوا أحكاما بالسجن وتغربوا في المهاجر بسبب رأي؟ وماذا عن ملف البدون الشائك؟ هل سيتم النظر لهم بإنسانية؟

الظروف التي نمر بها صعبة، وما بعد الوباء لن يكون بالأمر الهين علينا جميعا، والتفاف الشعب حول قيادته أمر مهم ويستدعي من الإدارة إجراء تعديلات جذرية، وفتح صفحة جديدة يتشارك بها الجميع من دون استثناء للخروج من هذه الضائقة وبناء كويت المستقبل التي نحب.