المظاهرات التي تجري في أمريكا حاليًا بعد مقتل المواطن الأسود جورج فلويد على يد شرطي أبيض ليست جديدة؛ فقد سبقها مئات الحوادث العنصرية؛ فتركيبة أمريكا العرقية منذ تأسيسها على يد الرجل الأبيض غاية في التعقيد بين المهاجر الأوروبي الأبيض، والأفارقة الذين تم جلبهم من إفريقيا كرقيق؛ ليعملوا في مزارع الإقطاعيين الشاسعة، والهنود الحمر، وغيرها من الأعراق، التي تمثل العالم أجمع. وعبر التاريخ الأمريكي كان هناك دومًا رموز، تدعو للمطالبة بحقوق السود، ومن أبرزهم وأشهرهم المناضل مالكوم إكس، الذي نشأ في بيئة عنصرية بشعة في منتصف القرن الماضي، ولاقت أسرته صلفًا شديدًا من منظمة الكلو كلس كلان، وغيرها من المنظمات العنصرية البيضاء، التي كانت تلاحق النشطاء السود، وتذيقهم أصنافًا شتى من العذاب؛ إذ سبق أن تم إحراق منزل أسرته، والتشنيع عليها، وتشويه سمعتها، وقد أثر ذلك على الشاب مالكوم إكس؛ فتحول إلى مجرم حقيقي، ودخل السجن، وهناك تحولت حياته القصيرة للأبد.
تعرَّف مالكوم في السجن على أعضاء من منظمة أمة الإسلام، التي أسسها اليجيا محمد، وهي منظمة لها نسختها الخاصة من الإسلام، فتحول إلى مناضل حقيقي. ومالكوم إكس حاد الذكاء، وصاحب شخصية قوية وقيادية آسرة، كما أنه لا يشق له غبار في الفصاحة. وبعد خروجه من السجن ناضل من أجل حقوق بني قومه، وأصبح ذا شعبية واسعة، وقد كان عنيفًا وكارهًا للعرق الأبيض؛ وبالتالي كان حادًّا في خطابه، وبعد سنوات سافر إلى الشرق الأوسط، وزار المملكة العربية السعودية، وقابل الملك فيصل - رحمه الله -، ثم ذهب إلى مكة، وتعرَّف على الإسلام الحقيقي، واعتنقه، وعاد إلى الولايات المتحدة ليكمل نضاله، ولم تكن أمريكا لتحتمل مناضلاً من هذا النوع الفريد، وخصوصًا أن ثورة السود كانت على أشدها؛ لذا تم إطلاق النار عليه أثناء إلقائه كلمة في مدينة نيويورك؛ فمات وهو لم يبلغ الأربعين بعد، لكنه ترك أثرًا بالغًا في مسيرة الحقوق المدينة، التي تحققت بعد وفاته بسنوات. ويجمع المؤرخون على دوره الكبير في هذا الشأن، جنبًا إلى جنب مع مارتن لوثر كنج؛ فقد كانا متناقضين في الأسلوب، ولكنهما سعيا إلى هدف واحد، تحقق في النهاية، هو قانون المساواة بين السود والبيض، الذي وقّعه الرئيس ليندون جانسون في عام 1968، ولكن هل انتهت قضية العنصرية بعد ذلك؟! الجواب أمامكم اليوم على شاشات التلفزيون!
التعليقات