لقد فشلت الحكومة في تأمين المادة الأساسيّة بالنسبة إلى مجمل الناس، والتي يُلخِّصها الرغيف بحضوره الذي يُبقي بعض الطمأنينة بين أيادي العائلات التي باتت الليرة بالنسبة إليها هي الهدف، ولو ابتلع الدولار كل مفعولها، وما لها من أدوار.

على إثر موجة هبوط الوضع المالي، في عهد الرئيس بشارة الخوري، انتشر الرعب والذعر بين الطبقات المستورة التي همّها الحصول “على خبزنا كفاف يومنا”. ونظراً إلى واقع الحال في ذلك الزمان انطبلت المدن والقرى في كل لبنان بمزامير القلقين والشعارات التي راحوا يُردِّدونها في الشوارع والساحات، والأحياء أيضاً.

وتجاوباً مع شاهري خوفهم من تخلُّف الجوع عليهم، وجد الأستاذ غسان تويني من مسؤوليّات “النهار” تسليط الأضواء على هموم الفقراء والمحتاجين والخائفين على فقدان لقمة العيش. فكتب تلك الافتتاحيّة التي كلَّفته دخول حبس الرمل ثلاثة أيّام.

وكان عنوانها، الذي أضحى شعاراً أساسيّاً، يتردَّد في معظم المدن والقرى اللبنانيّة، وإلى مدى تواصل في كل المناسبات التي أدى مفعولها إلى استقالة عهد الرئيس الخوري، وهو التالي:

بدنا خبز بدنا طحين، بدنا ناكل جوعانين.

ومن التأمُّل في واقع الحال لبنانيّاً، يمكن الاستنتاج السريع أن شعار غسان تويني لن يتأخّر صدوحه في معظم المدن والقرى. فالوضع اللبناني في الأرض كما يقول المثل. والليرة تكاد تُصبح تحت الأرض، وتحت التداول، وتحت الاستعمال، وتحت المفعول. وخصوصاً بعدما أُفلت القيد للدولار الذي راح يشقُّ الطرق المساعدة على الصعود بمختلف الوسائل.

وليس خافياً أن انهيار الليرة بهذه القوّة، وفي هذا الوقت لم يبقَ لأصحاب الدخل المحدود، أو المُنعدم، إلّا سلوك السبل التي سلكها “أجدادهم” قبلهم في عهد بشارة الخوري. وتروح الشعارات تصدح: بدنا خبز بدنا طحين، بدنا…

وقديماً كانوا يُغنّون في مناسبات الأفراح: على الخبزة والزيتونة نحمد الله. والخوف الآن مُصوّب في اتجاه الخبزة والزيتونة، ولو كانت الزيتونة في هذه الأيّام صعبة الوجود ودون الحصول عليها عقبات. لذا يكتفي الناس بالخبزة. إلّا إذا فشلت حكومة الاجتماعات غير المُثمرة، ولو أشاد بها من كان “مُخترعها” وحال مُسرعاً دون انهيارها.

لاسباب لا تُحصى، ولحالات باتت أقرب إلى الإفلاس الكامل، حتّى بالنسبة إلى الحصول على رغيف الخبز. فحين تسقط الليرة إلى كعب بئر الدولار، يُصبح من البديهي تحمل كل المسؤولين مسؤوليّة انهيار مُدمِّرة، ستذهب مثلاً.