نحن نعرف لويس باستور ومدام كوري وروبرت كوخ وغيرهم من العلماء، الذين أسهموا في تقدم الطب، وتحسين ظروف الحياة، والقضاء على كثير من الأمراض الوبائية التي كانت تحصد ملايين البشر، وفي الوقت نفسه، لا نعرف، ولا نريد أن نعرف، توجهاتهم السياسية أو قومياتهم ودياناتهم، ولا طريقة تناولهم للفطور على سبيل المثال، أو حتى أسماء صحفهم اليومية المفضلة.. يكفيهم مجداً أن الإنسانية أصبحت مدينة بصحتها إلى جهودهم وذكائهم ومحاربتهم للأمراض بالنيابة عنها.
والطب منذ أن أصبح علماً معترفاً به وغادر مرحلة السحر والخرافة، أي من زمن أبقراط وغالينوس والرازي وابن سينا وابن البيطار، وهو لا جنسية أو قومية له، إنه يستهدف علاج جسد الإنسان حتى لو كان عدوّاً بالمعنى السياسي.
في زمننا، نحن نتحدث عن الطب وصحة الإنسان بلغة السياسة، ونصنف جهود العلماء حسب أهوائنا وميولنا وخلافاتنا المزمنة، فمنذ 8 أشهر مريرة، ونحن نتساقط ضحايا للوباء، وفي العراق تحديداً، عانى شعبه، لأنه يفتقد لأبسط مقومات البنية التحتية، وسنكون أسعد الخلق لو أن شخصاً جاء من خلف المجرات واكتشف لنا اللقاح الفعال، الذي سيحررنا من المأساة اليومية في فقدان أحبة لنا، أو من الخوف الهوسي بفقدان أحدٍ منهم.
قبل أيام، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن توصل بلده إلى لقاح لكورونا، وقوبل إعلانه بموجة من التشكيك من قبل بعض المؤسسات العلمية والإعلامية، وكان جزءاً من هذا التشكيك يحمل طابعاً سياسيّاً.
الملاحظ أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يربط بين التوصل إلى لقاح وبين الانتخابات الرئاسية المقبلة بشكل مصيري، وهناك خلاف صيني ـ أمريكي حول مصدر الوباء ودوافعه السياسية.
على خلفية ذلك نستطيع قراءة الرسالة التي تخلط فيها روسيا بين جهد علمائها وخطابها السياسي، لكن الذي يهمنا حقاً هو معرفة الحقيقة.. نحتاج لجرعة ترفع من قدرات مضاداتنا الحيوية، ولسنا بحاجة إلى انتصارات سياسية.. نحتاج إلى تقارير تكشف عنها المختبرات لا مطابخ السياسة.
ما دخلنا نحن الفقراء المكشوفين أمام هجوم الفيروس؟ وما مصلحتنا في الانحياز لفريق طبي دون آخر؟ وكيف أصبحنا جميعاً خبراء في بروتوكولات تطوير اللقاحات ومتخصصين في سلالات الفيروسات؟
التعليقات