تشرفت أنا وإخوتي بالتبرع بمكتبة الوالد -رحمه الله- لمكتبة الملك سلمان في جامعة الملك سعود، والشكر كله لإدارة المكتبة والجامعة على لطفهم.

كانت المكتبة هي أكبر غرف البيت، مليئة بالرفوف ذات السقف الطويل لأن الكثير من الكتب كانت من الحجم الكبير أو مجلدات، وبعض الشجيرات الصغيرة معلقة حول النوافذ وبالإضافة للكتب الموجودة على الرف كانت هناك كتب في الصناديق لا مكان لها.

كانت كتب السياسة تحتل الوزن الأكبر نسبياً؛ من كتب استراتيجية وجيوسياسية لبرجنسكي وكسنجر وجمال حمدان والكثيرين غيرهم، إلى كتب بحثية عن الصراعات الدولية والأيدولوجية والمعنية أيضاً بعلم الاجتماع والسياسة ومذكرات رؤساء دول وصحفيين امتهنوا العمل السياسي مثل (بوب ودورد) وهيكل وغسان تويني وغيرهم، وكان -رحمه الله- يولي اهتماماً نسبياً أكثر لشرق آسيا بالتحديد، وكان يوجد كتب قديمة تتنبأ لنهضة المنطقة مثل كتاب (عندما تقف الصين يهتز العالم) الذي كُتب في السبعينات لوزير الثقافة الفرنسي (الان بيرفيت).

بعد السياسة تأتي كتب الفن والتراث حيث كان هناك الكثير من المجلدات والكتب عن نهضة الحضارات والتراث بعضها كان إهداء من وزير الثقافة المصري السابق ثروت عكاشة وهو رجل مشهور في الأوساط العالمية لدوره في إنقاذ آثار منطقة أبو سنبل فترة بناء السد العالي.

كذلك جميع أنواع الفن الكتابية من مسرح وشعر ورواية ونصوص أدبية متنوعة كانت موجودة، وكتب الفن التشكيلي والنحت وكذلك الكتب المعنية بالفكر والفلسفة والاستشراف باختلاف مدارسها وتياراتها، لكن كان -رحمه الله- يميل لكتاب على آخرين مثلاً كان يحب مسرح توفيق الحكيم وفكر طه حسين واستشراف (إلفين توفلر) وعمق وفلسفة عبدالرحمن بدوي وقصائد نزار قباني وسعيد عقل.

كانت المكتبة هي مكتبه الثاني مع جهاز الفاكس القديم الذي كان يرسل منه المقالات ويستقبل عليه، بالنسبة لي كنت عنصر تخريب في فوضى الكتب، كطفل لا يستطيع القراءة لساعات كنت أفتح الكتب المليئة بالصور، مثلاً كان هناك مجلد عن الحرب العالمية من إصدار (دار نوفل) كنت أقلب صوره.. هذه التسلية البريئة دون أن أدري نظمت في ذهني تسلسل الأحداث والوقائع، والأهم هي أهمية الكتاب في حياة الإنسان.. الكتب مثل الطعام منها ما يغذي ومنها ما يفسد لكن الإنسان لا يستطيع العيش بدونها.

رحل صاحب المكتبة وكان لنا أبناؤه من فضل هذه المكتبة وخيرها الكثير علينا من متعة الخيال الفكري والسعادة لمعرفة آفاق أكبر واوسع مما نرى في حياتنا العادية، لم تكن مجرد ورق وحبر بل حديقة يتنزه فيها العقل ويتجدد.

والصحيح أن تنتقل لمكانها الطبيعي؛ للشباب وللباحثين والمهتمين في مكتبة الجامعة، لكن يبقى في ذهني خيال صاحبها وهو مشغول بترتيبها وصفها بعد عبثي.