مناقضًا درجة التصادم ومعاكسًا لتصريحاتٍ سابقة لرؤسائه، خرج نائب الرئيس الإيراني «محمد باقر» بتصريح تناقلته وكالات الأنباء مفاده كما قال بالحرف الواحد «لم نعد نستطيع بيع قطرة من النفط».

هذا التصريح قلب الطاولة على تصريحات مدويةٍ سابقة لخامنئي نفسه ولروحاني، اللذين أنكرا أي تأثير سلبي على الاقتصاد الإيراني أو على الصادرات والواردات للمقاطعة الأمريكية المعلنة منذ شهورٍ خلت.

بل ومضى النائب بعيدًا كاشفًا أن إيران «لا تستطيع بيع قطرةٍ من النفط مقابل الغذاء والدواء»، وكما نعلم إن النفط مقابل الغذاء والدواء كان أحد أساليب المقاطعة الأمريكية قبل عدة سنوات وبالذات أثناء الحرب العراقية الإيرانية.

وكالة أنباء «إرنا» الإيرانية الرسمية سارعت بأوامر عليا لحذف التصريح فيما أعادت مواقع أهلية وحتى رسمية نشرها.

فهل يعكس هذا النشر في مواقع رسمية إيرانية تصاعد الصراع بين أجنحة الحكم في النظام الإيراني بما يشي وينبئ بشكل أو بآخر إن العقوبات الاقتصادية وجائحة كورونا وتضييق الخناق على المليشيات التابعة لإيران في العراق وحتى في لبنان والوضع في سوريا فتح لظهور الصراع بين أجنحة الحكم في إيران في ظل تصاعد الاحتجاجات واشتداد وتيرة معاناة الشعب الإيراني من بؤس وضعه المعيشي والاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة وتفشي ظاهرة المخدرات يأسًا بين قطاعات الشباب هناك، وحالة الغليان المكتوم بما كانت له ردّات فعل وارتدادات في صراع مراكز القوى في إيران، وهو صراع تمثل في تنازع السلطة والنفوذ بين مؤسسات الحكم وأجنحتها غير المتجانسة والمتنافرة أصلاً.

هنالك تسريبات وتوقعات من داخل العاصمة طهران القريبة من الصراع وإن كانت ليست جزءًا منه أن الحرس الثوري الذراع الضارب لخامنئي وجماعته استشعر خطر الأجنحة الأخرى واستثمارها لحالة السخط والغليان والبؤس الاقتصادي للشعب فوضع خطة للاستحواذ على جميع المؤسسات وتولي إدارتها مباشرةً بما يعني انقلابًا عسكريًا بمباركة الولي الفقيه، بل وبدفع منه وبأوامر سرية أو غير معلنة رسمية حتى الآن لضمان فرض القبضة الحديدية على الشارع الإيراني وعلى المؤسسات والسلطات التي بدأت تتذمر وتتحرك وتحتج بصوتٍ مسموع على سطوة وسلطة الحرس الثوري الذي تحمله إليه الأوضاع الاقتصادية هناك.

والتسريبات حول انقلاب الحرس الثوري بأوامر خفية ومتكتم عليها من «الرهبر» أو الزعيم خامنئي تأتي لأن الحراك المضاد هذه المرة سوف يتفجر من داخل مؤسسة الحكم نفسها، فالشكوك تحوم جماعات وشخصيات محسوبة على النظام وتتولى مناصب تمكنها من تنفيذ مشروع يقلص إلى حدٍ كبير من سلطة وسطوة الحرس الثوري الذي يعتمد أساسًا على استمرار نفوذه على خامنئي، فهو حارس المعبد الذي يعتمد عليه الكاهن الأكبر، بما يعني إن الاعتماد متبادل بين خامنئي وحرسه الثوري.

رهان خامنئي وقيادات حرسه الثوري على نتائج الانتخابات الامريكية وعلى ورقة بايدن ممثلاً لسياسات الحزب الديمقراطي بما يعتبرونه حكام طهران استمرار لسياسة أوباما وعلاقته مع قُم وطهران التي نسجها وتوجها بما يسمى الاتفاق النووي الذي فتح أمام حكومة طهران الاسترخاء اقتصاديًا واستثماريًا ثم عسكريًا بتغذية مليشياتها وأذرعها المسلحة وهو ما تقطّع خلال حكم ترامب والجمهوريين، ثم جاءت سياسة المقاطعة الاقتصادية لتضيق الخناق ويبدأ السخط في هرم السلطة الإيرانية هذه المرة.

نحن أمام احتمالات مفتوحة على الجهات وأسئلة أكبر من سياسة طهران الحالية.