ندد الاتحاد الأوروبي، بوفاة محامية يسارية كردية مضربة عن الطعام في تركيا، مؤكدًا أن ما حصل معها دليل على تردي وضع حقوق الإنسان في البلاد، وعدم حصول المعتقلين في سجونها على محاكمات عادلة.

وفي بيان له عن الواقعة أوضح «أن المحامية (ابروتيمتك) التي توفيت في الشهر الماضي بعد 238 يومًا من إضراب عن الطعام في السجن هي رابع شخص يتوفى في السجون التركية منذ بداية العام نتيجة الإضراب عن الطعام، مشيرًا إلى أن هناك موسيقيين اثنين ايضًا ماتا للسبب ذاته هما المناضلة التقدمية هيلين بولاك، البالغة من العمر 28 عامًا التي تعتبر صوتًا ثوريًا ضد سياسة القمع وتكميم أفواه المعارضين والاعتقالات السياسية التي تمارسها أجهزة الأمن التركية، وابراهيم غوكتشك ورجل ثالث يدعى مصطفى كوك».

وأثار حادثة وفاة تيمتك التي تبلغ من العمر 42 عامًا تنديدًا كبيرًا سواء على مستوى الدخل التركي، من أحزاب المعارضة في تركيا، أو من خلال روابط المحاماة الدولية والاتحاد الأوروبي.

تجدر الإشارة إلى أن القضاء التركي قد حكم على تيمتك بالسجن 13 عامًا بعد إدانتها بتهم جاهزة فيما بدأت في فبراير الماضي إضرابًا عن الطعام للمطالبة بمحاكمة عادلة، وهذا ينقلنا إلى ما تشهده حالة حقوق الإنسان والحريات في تركيا مع تراجع مخيف خاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعتبرها المعارضة أمرًا مدبرًا من قبل الحزب الحاكم والتي وقعت أحداثها في منتصف 2016.

وبهذه المناسبة ثمة تقرير لمؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان بعنوان «حالة حقوق الإنسان في تركيا.. هبوط محنى يصل إلى الهواية» يشمل الفترة من يناير وحتى يونيو 2020، يرصد ويحلل الأوضاع الحقوقية في تركيا من وقائع التعذيب ومحاكمات للصحافيين وحبس المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء الرأي واعتقالات جماعية للمواطنين وانتهاكات ضد الأقليات واعتداء على مسيرات سليمة وتدخلات في الدول الخارجية والعنف المنزلي ضد المرأة وانتهاك الحريات الأكاديمية والتضييق على حرية الانترنت وعدم مراعاة حقوق العمال!.

وأكد التقرير على هبوط منحنى حالة حقوق الإنسان في تركيا بشكل كبير، حيث عمدت السلطات التركية الى تنفيذ عمليات اعتقال واسعة النطاق شملت توقيف وإقالة الآلاف دون أي سند قانوني، كما اعتقلت واحتجزت الآلاف من الأتراك لأسباب زائفة ما بين معارضين سلميين وسجناء سياسيين لمجرد اختلافهم في الرأي مع بعض ممثلين الحزب الحاكم!.

ويتعرض نشطاء حقوق الإنسان والمعارضين في السجون ومراكز الاحتجاز بشكل روتيني للتعذيب وغيره من أشكال المعاملة الوحشية، وذلك في ظل الحصانة من المساءلة التي يتمتع بها أفراد الأجهزة الأمنية، ورأى التقرير إن محاولة الانقلاب وفرت شرعية لأفراد الأجهزة الأمنية في تركيا لممارسة انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان من تعذيب دون وجود آليات محددة للمساءلة والملاحقة القانونية.

وأشار التقرير إلى أن عدد السجناء في تركيا وصل إلى حوالي 300 ألف سجين 17% منهم لأسباب سياسية، كما وصل عدد المتهمين بالمشاركة في محاولة الانقلاب حوالي 50 ألف شخص ما بين عسكريين سابقين ومدنيين وصحافيين وغيرهم من فئات المجتمع المعارضين لسياسات الحكومة التركية.

وأوضح التقرير إن تركيا تحتل المرتبة 154 من بين 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2020، وأصدرت السلطات التركية قرارات بغلق 53 جريدة، و34 قناة تلفزيونية، و37 دار نشر، فضلاً عن فرض حظر على العديد من المواقع الإخبارية التي تقوم بالبث الرقمي عبر الانترنت، كما يوجد ما لا يقل عن 103 من الصحفيين العاملين في المجال الاعلامي خلف السجون التركية، أما في الحبس الاحتياطي أو يقضون عقوبة!.

وإزاء ما يحدث في تركيا من مصادرة حقوق الإنسان يرى أيمن عقيل رئيس مؤسسة ماعت بأن النظام التركي اتخذ من محاولة الانقلاب ذريعة لارتكاب العديد من انتهاكات حقوق الإنسان، وإن الحكومة عملت على إضعاف دور السلطة القضائية ووظفت قانون الإرهاب بشكل منهجي لإضفاء الشرعية على الحملة المستمرة لإسكات واستئصال المجتمع المدني المستقل، ومواجهة الصحفيين والأحزاب السياسية من خلال الانتهاكات الوحشية لحقوق الإنسان، واستخدمت قانون الطوارئ على نطاق واسع لتبرير الحملة الواسعة ضد المعارضة!.

إن التعديلات التركية على معايير حقوق الإنسان لا تقتصر على الداخل فقط، وإنما امتدت ايضًا للدول الأخرى، خاصة بعدما شنت السلطات التركية العديد من العمليات العسكرية خارج أراضيها لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية واقتصادية، على حساب حقوق وأشلاء مواطنين في هذه الدول بعد أن تدخلت في سوريا وليبيا والعراق، وارتكبت أبشع الجرائم في هذه البلدان والتي تصل إلى حد جرائم حرب والجرائم ضد الإنسانية، وذلك بالمخالفة لقرار الأمم المتحدة رقم 103/‏36، والذي ينص على عدم جواز التدخل بجميع أنواعه في الشؤون الداخلية للدول، وبمخالفة المادة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة والتي تنص على عدم التدخل الخارجي في شؤون الدول أي كان نوعه، هذا ما جاء في تعليق أحد الحقوقيين، ثم تقرير للخارجية الأمريكية أشار له الكاتب السوري خورشيدلي يشكك في الانتخابات التي فاز بها اردوغان وكذلك الانتخابات البلدية التي جرت في عام 2019 لما شابه من تجاوزات وإجراءات قسرية، لاسيما في مجال الإعلام، ولعل هذا ما يفسر الرد التركي الغاضب من التقرير الأمريكي الذي يتلخص في أن التقرير مسيَّس، حسب بيان للخارجية التركية، في الواقع إن الرد التركي على ما جاء في التقرير ليس له مصداقية او قيمة أمام حجم الانتهاكات الفاضحة لحقوق الإنسان في البلاد، وهو ما دفع بعشرات المنظمات الدولية إلى مطالبة الأمم المتحدة بفتح تحقيق بملف حقوق الإنسان في تركيا، كما دفع بالعديد من المنظمات إلى عقد مؤتمرات لبحث هذا الموضوع من بينها مركز بروكسل الدولي للدراسات تحت عنوان «تدهور عميق لحقوق الإنسان في تركيا: من حالة الطوارئ إلى الاستمرارية في القمع الجسدي».

صحيح لا يتوقع أحد من نظام اردوغان أن يعترف بأنه يرتكب انتهاكات وجرائم ضد حقوق الإنسان، مع أنه يدعي ليل نهار بالدفاع عن حقوق المظلومين من الروهينجا إلى الصومال، فالصحيح ايضًا أن هذا النظام لم يعد في استطاعته إخفاء حجم الانتهاكات وآلة القمع التي تحولت إلى كابوس حقوقي جاثم فوق صدور الأتراك!