طردت الثورة الإيرانية 8 آلاف ضابط و40 ألف مدرس من المشكوك في ولائهم، أغلقت الثورة الجامعات لمدة عامين بسبب قوة اليسار فيها، ومنعت كافة وسائل الإعلام الخارجية، وفرضت على النساء اللون الأسود في ملابسهن، حِداداً دائماً على الأئمة وعلى غيبة الإمام الـ12.

أدّت هذه الإجراءات إلى منح «الشكل» الإسلامي المتشدِّد للدولة الإيرانية، لكن المجتمع لم يتجاوز «الشكل» كثيراً حيث صعدت «العمائم» وهبطت «الشعائر».

ومن المثير حقاً، تراجع «الإيمان» في إيران بعد أكثر من 3 عقود على الثورة الإسلامية، ويذكر «العفيف الأخضر» أنه بعد 30 عاماً من الثورة كان هناك 30% من الملحدين، وأن سائقي التاكسي لا يقِفون لرجال الدين.

وينقل الكاتب عن تقرير صدر عن «بلدية طهران» كشف فيه «حجة الإسلام علي زم» نائب رئيس البلدية أن ما بين 75 و86% من الطلاب الإيرانيين تركوا أداء الصلاة، وحسب «سعيد مجتبى» أستاذ علم الاجتماع الإيراني فإنه على الرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة، فإن الإلحاد في إيران لم يعد سرّاً.

وفي ختام ولايته اعترف الرئيس الإيراني «محمد خاتمي» للسفير الألماني في طهران، بأن نسبة من يصومون في شهر رمضان هي 2% فقط، وكانت النسبة 80% في عهد الشاه!

وبعد أن كان بالإمكان تحقيق مزيد من الديمقراطية، والوصول التدريجي إلى الملكية الدستورية - التي كانت هدفاً لقطاع عريض من النخبة الإيرانية - مضت إيران في طريق أيديولوجيا رجعيّة، فبالتوازي مع محاولة تدمير الأطر الدينية والثقافية المحيطة لفرض نظرية ولاية الفقيه إطاراً للإسلام، جرت محاولة محو الشخصية الإيرانية، وتدمير الفكر والإبداع، وإزاحة نتاج هائل من الآداب والفنون، وذلك من أجل فرض الأيديولوجيا الجديدة على الجميع.

لقد تعاطف كثيرون - من دون شك - مع الثورة حين بدأت، وكان اليسار كعادته في حساباته الخاطئة هو من أيّد وقوّى من مركز ونفوذ القادة الجدد، وما هى إلّا سنوات حتى استفاق هؤلاء جميعاً، وغيرهم، على نظام مروّع أطاح بحلفائه بمثل ما أطاح بخصومه، ثم أطاح ببعض أجنحته لأجل سيطرة جناح واحد، وشخص واحد، ومركز قرار واحد، هو المرشد الأعلى دون الجميع.

لم يتصور المخطئون في حساباتهم أن ذلك النظام قد يصمد أكثر من شهور، وربما سنوات معدودة، ولم يدُر بخُلد أحدهم أن ذلك النظام سوف يمتد لأكثر من 40 عاماً.

أصبحت إيران «إيرانات»، إيران المرشد، وإيران الشعب، إيران الداخل وإيران الخارج، إيران اليأس وإيران الأمل. لو كانت إيران بتلك الدولة المدنية الحداثية السلمية لكان العالم العربي والإسلامي في مكان آخر، ولكن ذلك الحظ العاثر الذي أصاب الأمة ذات يوم من عام 1979، قد واصل عثراته، ولا يزال.

تبقي الحقيقة المؤكدة، أن الزمن لن يتجمّد عند عام 1979، فلا تزال في التاريخ بقيّة.