بخطوة شجاعة تفتح مملكة البحرين مُجدداً آفاقاً جديدة لترسيخ السلام ونشر التسامح، إذ بتوجيهات من الملك حمد بن عيسى آل خليفة، يأتي إعلان تأييد السلام مع إسرائيل، والذي اختطت البحرين من خلاله مسارها وفق سيادة قرارها الوطني ومصلحتها العليا، والذي يعد إنجازاً تاريخياً رسمت المنامة معالمه بحكمة وحنكة، وأعلنت عنه بشفافية ومسؤولية.
إنه اتفاق يفتح نافذة الأمل لشعوب المنطقة التي عانت لعشرات السنين من ويلات النزاعات والحروب والاضطرابات، في وقت تحث فيه الأديان السماوية على السلام والوئام. فالبحرين التي كانت على الدوام موطناً للحضارات الإنسانية، ونموذجاً رائعاً للتعايش والتسامح، تؤمن على الدوام بأن إعلان تأييد السلام مع إسرائيل يخلق فرصاً أفضل للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، ويحقق استقراراً في المنطقة والإقليم والعالم.
ولعل من تفاصيل القدر أنني عاصرت، بحكم مولدي ونشأتي في البحرين، تفاصيل كثيرة عن نزاع آن له أن يتوقف، نزاع لا يجد العاقل نتاجاً له سوى الكره والتعصب. فالمتتبع في سنوات النزاع التي ناهزت الـ70 عاماً، سيجد أن العرب وإسرائيل قد حققوا بالتفاوض ما عجزوا عن تحقيقه في جبهات وميادين الحروب، ولطالما نادت البحرين مع شركائها وحلفائها بضرورة أن يكون السلام مفتاح حل كل الخلافات، انطلاقاً من رؤية عاهل البلاد بضرورة نشر ثقافة السلام في العالم، وتأكيده المستمر على أهمية تكثيف الجهود لإنهاء النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي.
علمتني الدبلوماسية أن طريق السلام بمثابة طوق النجاة لنا جميعاً، وعلى مدى أكثر من خمس سنوات قضيتها سفيرة لوطني البحرين لدى الولايات المتحدة، أيقنت أننا جميعاً نبحث عن السلام، واليوم يحق لي القول وكلي فخر بوطني البحرين وأمل بالمستقبل، بأنها لحظة تاريخية، ستنقل منطقة الشرق الأوسط إلى عصر جديد عنوانه النهوض والازدهار والتنمية، عصر يخلو من وباء العنف والتطرف والإرهاب. لحظة تؤكد فيها البحرين التي تعمل على الدوام مع الأشقاء والأصدقاء والحلفاء على إحلال السلام، أنها موطن السلام وصوت العقل المُدرك والحكمة السديدة، والتي التزمت على الدوام قرارات الشرعية الدولية، المتعلقة بإقامة العلاقات الدبلوماسية المبنية على الاحترام المتبادل والمصلحة الوطنية.
لقد أفرز النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، صفحات من الألم التي سيمحوها سلام الشجعان، فقد عانت شعوب المنطقة من آثار الفقر والبطالة والهجرة، ومحدودية في فرص التعليم، ونقص في الرعاية الصحية، وتؤمن البحرين بأن تطابق الرؤى وتنسيق الجهود من خلال استثمار موارد المنطقة وقدرات شعوبها وموقعها الاستراتيجي، سيشكل سداً منيعاً في وجه أنياب الشر المعروفة لنا، والتي تجاهر بعدائها لنا جميعاً، وتقامر على أمن أوطاننا، وتغامر من خلال دفع أبنائها إلى مواجهة خاسرة.
وبمقدار ما تُدرك البحرين أن حلاوة السلام ستهزم مرارة الخصام، تدرك كذلك أن إعلانها تأييد السلام مع دولة إسرائيل يتماشى مع جهودها الرامية لإنهاء النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي وفقاً لمبادرة السلام العربية، من أجل مستقبل أفضل يعمه الأمل والتفاؤل، ويسوده الأمان والاستقرار، والاعتراف المتبادل بحق العيش المُشترك، فالجميع أمام فرصة قد لا تتكرر، لاختبار مدى جديتهم في اتخاذ السلام سبيلاً للذهاب نحو التسويات وتعزيز التحالفات، فالسلام ليس مجرد وثيقة توقع؛ بل هو قيم ومبادئ تُرسخ، وهذه رسالة البحرين إلى العالم أجمع.
لقد كسر قادتنا صخرة الجمود بوعيهم وشجاعتهم، وحركوا المياه الراكدة برؤيتهم الثاقبة، كما أن الشعوب الحية المثقفة التواقة للحياة ملَّت الصراعات والنزاعات، واستوعبت جيداً حجم الاستهداف والمؤامرات، من أجل ذلك قرأت بلغة المنطق إعلان تأييد السلام مع إسرائيل، ورأت فيه ترجمة حقيقية لإرثها العظيم من التسامح والتصالح، وطوت صفحة من التاريخ المُثقل بالألم والخوف من المجهول، يحدوها الأمل بجني ثمار هذا السلام تنمية وازدهاراً، وعلماً وتقدماً يخدم الإنسانية. ومن أجل ذلك كله علينا ألا نخذلهم، فيوماً ما سيكبر أطفالنا، فليكن إرثنا لهم سلام الشجعان، فلنعمل معاً بإصرار وعنفوان على إسعادهم، ولننثر بذور السلام، لتُزهر انسجاماً ومحبة ومودة.

- سفيرة مملكة البحرين السابقة لدى الولايات المتحدة