في الأسبوع الماضي، انهالت التهاني على مواقع التواصل الاجتماعي للشعب العراقي بمناسبة العيد الوطني، وكانت نجمات الغناء اللبناني، وبعض المشاهير العرب من بادر بنشر بتلك الكلمات الرقيقة، التي تعبر عن نوع خاص من المحبة والتواصل مع الجمهور العراقي.

حدث كل هذا التفاعل والعيد الوطني لم يأخذ شكله الدستوري بعد، فهو مجرد مقترح مقدم من الحكومة إلى البرلمان لإقراره، ويوم العيد الوطني والعلم والنشيد الوطني علامات مهمة للأمم الحديثة لكي تكتمل رمزيّتها الشكلية.

والذي يقرأ كتاب «الإنسان العاقل» لـ«يوفال نوح هراري»، يستنتج أهمية الرمزيات في حياة البشرية منذ فجر الإنسان الأول الذي انحدرنا منه، فكل جماعة بشرية تحتاج لتأكيد هويتها إلى بعض الرموز والعلامات لإبراز خصوصيتها وتمييز وجودها المستقل.

والدراسات الأنثروبولوجية التي تهتم بالمجتمعات البدائية تبحث كثيراً في العلامات، التي تختارها هذه المجتمعات، لتُعرِّف نفسها بشكل مستقل عن المجموعات الأخرى.

وقد تبدو بعض الممارسات غير عقلانية لنا نحن الذين نعيش عصر التكنولوجيا والهوية الكونية، لكنها مبررة لديهم، بدورنا نحن لدينا طقوسنا وعلاماتنا المدنية المهمة ولكنها ليست عقلانية كذلك.

فلو زارنا وفد من كوكب آخر، ووجدنا نؤدي التحية أمام قطعة قماش ملونة، أو نردد كلمات محددة كنشيد وطني نذرف معه الدموع أو نرمي قبعاتنا عند التخرج من الجامعة، فسوف لا يفهم العلاقة بين هذه الأشياء وحب الوطن أو الفرح بنهاية الدراسة.

الإنسان حتى لو بلغ أعلى مستوى للتقدم الحضاري، فإنه يحتاج إلى طقوس ورمزيات وعلامات ليس بالضرورة أن تكون منطقية، ولكنها جميلة وتنبع من حاجات حقيقية.

العيد الوطني العراقي، هو عيد رسمي تم اقتراحه ليس لأنه اليوم الذي نفرح به جميعاً، ولكنه اليوم الذي لا نختلف عليه كثيراً، فهو التاريخ الذي حصل فيه العراق على استقلاله من الاحتلال البريطاني ودخوله «عصبة الأمم» كعضو مؤسس لها.

هذا العيد، يبعد في التقويم مسافة يومين فقط من «ثورة تشرين» التي كان شعارها «نريد وطناً».. فما أجمل أن يأتي الوطن أولاً ثم يعقبه العيد الوطني، بذلك سنرد التحية بأحسن منها لنجمات الغناء ولمشاهير سوشيال ميديا، ونحيي لطفهم البالغ بمزيد من المحبة.. العيد الحقيقي هو أن نرى عراقنا الحبيب سالماً منعماً وغانماً مكرماً.. فهل سنراه؟