انتفض محافظ البنك المركزي محمد الهاشل مؤخراً بخطابه التحذيري إلى وزير المالية براك الشيتان، بعد تخفيض وكالة موديز لتصنيف «الكويت الائتماني السيادي»، وهو ما ينم عن انتقائية متناهية في سياسة المحافظ وعمله.

ليس ثمة اختلاف او خلاف على أثر تأخير الإصلاحات المالية والاقتصادية، فالتأخير له كلفة عالية جداً على الكويت مالياً واقتصادياً، وقد تأخرت هذه الإصلاحات منذ زمن وليس خلال شهور جائحة كوفيد-19، بسبب تذبذب القرارات وتناقض السياسات وغياب العزيمة والإرادة نحو تحقيق اصلاح شامل وجذري، من دون خجل وتجمل في القرار او وجل من ردود الفعل، لطالما كانت القرارات مهنية وتتسق مع الواقع وتلبي احتياجات اليوم ومتطلبات المستقبل.

لاشك ان رسالة «التحذير واللوم»، التي وجهها محافظ البنك المركزي الهاشل الى وزير المالية، هي برأيي استنفار انتقائي التوقيت والهدف، خصوصا ما صاحب - كما يبدو - الرسالة من تسريب اعلامي متعمد، ربما لجذب الضوء نحو شخص المحافظ، كما حصل بتقديري بعد الضجة المنحازة لمصلحة المحافظ الهاشل بعد استقالته ممّا يسمى بـ«اللجنة العليا للتحفيز الاقتصادي».

ورد في نص رسالة المحافظ الهاشل الى الوزير الشيتان انه «وقد سبق للبنك المركزي أن طالب بالإصلاح، ولكن دون جدوى وتحذير من التراخي في تبني الإصلاح المالي والاقتصادي والضرر البالغ على سمعة الكويت».

فعلا الاصلاح الاقتصادي والمالي تأخر كثيراً ليس منذ تولي الوزير الشيتان، وإنما منذ تحرير الكويت بعد الغزو العراقي وتوصيات عميقة للجنة العليا لتنمية وإصلاح المسار الاقتصادي، وخريطة طريق للمجلس الاعلى للتخطيط أثناء قيادة الاخ الفاضل الشيخ ناصر صباح الاحمد في الحكومة السابقة.

من المفيد التذكير بالموقف المهني وروح المسؤولية الوطنية، اللتين صاحبتا استقالة الأخ الفاضل الشيخ سالم العبدالعزيز، محافظ البنك المركزي السابق في فبراير 2012، حين بلغ اليقين «بعدم إمكانية الاستمرار في عمله في ضوء الاختلالات الرئيسية، التي يعاني منها الاقتصاد الوطني، من بينها تداعيات المصروفات العامة لمستويات غير مسبوقة وغير قابلة للاستمرار»، وهو النهج نفسه الذي ركز عليه الاخ سالم العبدالعزيز بعد توليه منصب نائب رئيس الوزراء وزير المالية في 2013، ولكنه آثر عدم الاستمرار في العمل الوزاري لأسباب سياسية جوهرية.

مفيد ايضا الاشارة الى ما شهدناه في 27 سبتمبر 2017، وهو «يوم التناقض الكويتي»، بالحديث الانشائي النص لوزير المالية الاسبق انس الصالح في افتتاح مؤتمر «يوروموني» بعد الولادة الميتة لما سمي آنذاك بوثيقة الاصلاح المالي والاقتصادي او كما هو معروف بوثيقة انس، التي تتناقض تماماً مع مؤشرات اللجنة الكويتية الوطنية للتنافسية ومتطلبات الاصلاح ككل.

حينها وقبل ذلك لم نسمع صوتاً لمحافظ البنك المركزي الهاشل معارضاً او محذراً او لائماً، وهو ما يثير التساؤل عن دور المحافظ منذ توليه قيادة البنك المركزي؟!

الاهم من كل ذلك، اين كانت سمعة الكويت عن بصيرة واهتمام المحافظ الهاشل منذ بلاغه في 2016 حتى 2020 الى وحدة التحريات المالية حول فضيحة غسل أموال الصندوق الماليزي؟!

ان سمعة الكويت ليست شمساً تشرق وتغيب، حينما يشاء محافظ البنك المركزي الهاشل، فحجم الضرر العميق على الكويت قانونياً ومالياً لايزال قائماً منذ أن لاذ الهاشل بالصمت إزاء ما بلغه من معلومات وبيانات لا تحتمل اللبس والتجاهل في 2016، ولها الاثر البالغ على السياسة النقدية والمالية والكيان السيادي للكويت، فتحول الكويت لمنصة غسل أموال ليس بالأمر الهين لتجاوزه، وليس ثمة مبرر واحد لسياسة الكيل بمكيالين للمحافظ كل هذه السنوات وانتفاضته الاعلامية الاخيرة.