ليس معروفاً عن رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل أنه يتجنّب أسلوب الإنكار في ممارسته السياسية.

معظم ما ينفيه يلبسه بالتمام والكمال. بل هو ينكر معظم ما ينسَب إليه، ثم يعود فيؤكده. فهو ليس في أي محور، لكنه يأخذ على منتقديه أنهم يسمحون للحريري بأن يقول إن سلاح "حزب الله" مسألة إقليمية ولا يسمحون له بذلك، شبّه كلام زعيم "المستقبل"، الذي يقوله من موقع الاختلاف، بتفاهم تياره والجنرال ميشال عون مع "حزب الله" على استخدام سلاحه لفرض ميزان جديد للقوى في الداخل يغطي وظيفته الخارجية، وتسليمه بكل ما يقوم به على المسرح الإقليمي، في حين تضج مواقع التواصل الاجتماعي بلقطات من خطبه تشيد بذلك التفاهم وبوفاء السيد حسن نصرالله لإصراره على إيصال عمه للرئاسة. يصادر مطلب الاستراتيجية الدفاعية على أنه طرح للمرة الأولى في التفاهم بين "التيار" و"الحزب"، قافزاً فوق طرحه من قبل قوى 14 آذار قبله. ينكر أن يكون وافق على تدخلات "الحزب" في الخارج، معتقداً أن من يستمع إليه لا يذكر بأنه والرئيس عون أيّدا تدخله في سوريا بحجة أن هدفه منع الإرهاب من دخول لبنان.

يستأثر باسيل بحق المناورة في العلاقة مع الخارج من جهة، وإزاء الحلول الوسط في الداخل من جهة ثانية، فيتهم الحريري حين يقول إن "سبب عدم تأليف الحكومة هو الوعود المعطاة للداخل غير المتناسبة مع الوعود المعطاة للخارج"، بأنه يسعى لإبعاد "حزب الله" عن الحكومة، إرضاءً للأميركيين، وأنه في المقابل تفاهم مع "الحزب" على انتقاء وزراء شيعة غير مستفزين واستثنى وزارة المال من مبدأ المداورة لمصلحة الثنائي الشيعي. يتصرف على أنه غير معني بالتعهد الذي قطعه الفرقاء السياسيون كافة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بتشكيل سريع لحكومة مستقلين يتمتعون بالنزاهة والكفاءة والصدقية ليكونوا قادرين على تنفيذ الإصلاحات التي لم ينفذها الطاقم السياسي. ولا يحتاج الأمر إلى عبقرية للإستنتاج بأن هذه المواصفات تبعد "حزب الله" وهو أمر تعرفه قيادته، عن الحكومة مثل سائر الأحزاب.

لكن باسيل في الحذلقة الكلامية التي يعتمدها في كل خطاب، يتهم "حزب الله" بأنه وراء عرقلة تأليف الحكومة، في معرض لتحريض على الحريري، أكثر مما يتهم الأخير. فهو يوحي بأن "الحزب" يرد على محاولة إبعاده عن الحكومة، وعلى "الوعود المعطاة للخارج" بأنها سبب تعثرها. ويبدو أن باسيل التزم السيناريو المخطط له لتسلسل العراقيل، في وجه ما يريده الخارج: الإصرار على حقيبة المال للطائفة الشيعية يؤخر الحكومة في حال الرفض، والتنازل بإسنادها لوزير شيعي (ولو لمرة واحدة) يستوجب مطالبة عون وباسيل بإبقاء حقائب أخرى، ومنها الطاقة، في عهدة المسيحيين. وهكذا دواليك، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

قمة الإنكار تكمن في تصريحات وتسريبات تبرير تعثر الحكومة، والتي تغرق وسائل الإعلام والناس بمبارزات إنشائية بعيداً من المعضلة الرئيسية، وهي أن البلد ينزل كل يوم أكثر في الحفرة التي سقط فيها بغياب حكومة إنقاذية من النوع الذي أمل ماكرون بولادتها، كي يتمكن من تجييش المساعدات لتجنيب اللبنانيين العقاب الذي يسببه قادتهم، بتدهور أحوالهم أكثر. لذلك أبلغ موفده باتريك بوريل "الحزب" وباسيل وسائر الفرقاء أن لتأخير الحكومة مضاعفات تعاقبون أنفسكم بها.