ربحت إسرائيل وخسرت أرمينيا. حوصرت إيران وهذا كان الهدف. بل أحد الاهداف الرئيسية، اذ ان لكل مشارك وداعم هدفه الذي قد يلتقي مع اهداف اخرين، وغالبا ما تتضارب المصالح من دون ان تؤدي الى افتراق خدمة اهداف ابعد مدى. وفي الطرق الى الهدف او الاهداف، ثمة من يفيد من الظروف القائمة، ليحقق مكاسب. اول المستفيدين من ازمة ناغورنو كراباخ كانت اسرائيل، التي نالت تسهيلات لاقامة قاعدة عسكرية في اذربيجان، على حدود ايران.

تزيد من تهديد طهران، وتحرمها الاتصال بارمينيا، وهو ما كان يجعل من ايران داعمة ارمينيا المسيحية ضد اذربيجان ذات الاكثرية الشيعية.

وقد عبرت ايران عن انزعاجها مما آلت اليه نتائج الصراع الذي انفجر ربما عن قصد، وضمن خطة مدروسة لبلوغ الهدف المتفق عليه. ووصفت وكالة أنباء "فارس" التابعة للحرس الثوري الإيراني، سيطرة أذربيجان على أجزاء من ناغورنو كراباخ بأنه "تحول شرير" يستهدف إيران.

وأشار كاتب مقال وكالة "فارس" إلى إمكان وجود قاعدة عسكرية إسرائيلية في المناطق الحدودية الإيرانية ووجود مسلحين أرسلتهم الحكومة التركية من سوريا إلى حرب ناغورنو كراباخ كعوامل أخرى يمكن أن تكون لها "عواقب أمنية خطيرة" على إيران.

وأشارت وكالة "فارس" إلى أن مراكز شمال غرب إيران أصبحت الآن تحت سيطرة أذربيجان بشكل كامل، ما يعني أن "أنقرة لم تعد بحاجة إلى طريق عبور إيراني للوصول إلى أذربيجان"، بحسب المقال. وهذا التطور يعني فقدان إيران خط الوصول إلى أرمينيا وبذلك ستكون كل من روسيا وتركيا قادرة على استبعاد إيران بسهولة من المعادلات المستقبلية لنقل الطاقة إلى أوروبا.

وحذر المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية أبو الفضل شكارجي، من أن إيران "لن تتسامح مع الظاهرة المشؤومة بوجود قواعد تجسس إسرائيلية" حول إيران، خاصة في منطقة النزاع في كاراباخ بين أرمينيا وأذربيجان.

وقال شكارجي وهو جنرال بالحرس الثوري الإيراني إن "عواقب هذا الأمر ستتحمله الدولة التي تفتح الباب أمام وجود المرتزقة التكفيريين والصهاينة، وسوف تتعامل إيران بحزم مع هاتين الظاهرتين الشريرتين".

في المقابل، لحقت الهزائم المؤلمة بدولة ارمينيا، بعدما تخلت عنها موسكو، راعية الارثوذكسية في العالم، لمصلحة عليا تتجسد بالمصالح النفطية التي تربطها بدول شرق المتوسط، وبتركيا خصوصا، التي ترغب مع اسرائيل في استبعاد ايران ومحاصرتها، ضمن غطاء دولي وتحديدا اميركي. وفي الاتفاق لوقف الحرب، انتشار قوة لحفظ السلام روسية، بمشاركة تركية، بما يضمن حفظ المصالح التي تسعى اليها موسكو المرهقة ماليا واقتصاديا. وقد أرادت موسكو ايضا أن يصل الوضع إلى ما وصل إليه عقابا لأرمينيا على توجهاتها الجديدة الأقرب إلى الغرب والولايات المتحدة، منذ الثورة التي حملت رئيس الوزراء الحالي نيكول باشينيان من السجن إلى السلطة. كان هذا انتقام روسيا من باشينيان، ودرسها للآخرين ممن يفكر في إدارة الظهر لموسكو من الدول الأخرى القريبة.

اذن لم يسأل احد من الدول الصديقة عن ارمينيا، باستثناء ايران، التي تحاول احياء امبراطوريتها الفارسية، وتتسابق في ذلك مع محاولات تركيا احياء الامبراطورية العثمانية، وهو الصراع المزمن بين السنة والشيعة. لذا احجمت طهران عن دعم الشيعة الاذريين، لانهم يخدمون مشاريع تركية. ولم تجد سوى الخيار الارميني، خصوصا ان فيها جاليات ارمنية كبيرة. لكن ايران محاصرة اكثر من اي وقت مضى، ولا يسعها تقديم الدعم اللازم في مواجهة تحالف يضم موسكو وانقرة وباكو اضافة الى دعم اسرائيلي.

دفعت ارمينيا ثمن الصراع الكبير التي تتداخل فيه السياسة بالاقتصاد وخصوصا بالمصالح النفطية التي تدور حولها جاليا كل حروب المنطقة. وفيما اعتبر اتفاق وقف اطلاق النار تسوية اعتبره الرئيس الاذري "اتفاق استسلام لارمينيا". وهو كان كذلك.