«معروف: هو العلامة العراقي الدكتور (ناجي معروف 1910 - 1977م). هو الذي قال في مطلع كتابه الموسوعي العظيم: (عروبة العلماء المنسوبين إلى البلدان الأعجمية).. قال: (لو لم أكن عربيّ الأبوين؛ لتمنيت أن أكون عربيًا، لأن من يطلع على ما قام به العرب من خدمات للإنسانية وللعلم وللحضارة الإنسانية؛ ليقف إجلالاً للعلماء العرب في عصورهم الزاهية، وإمبراطوريتهم الواسعة). وكان -رحمه الله- يُحفِّظ طلابه وهو يدرسهم اللغة العربية في بغداد من شعره هذين البيتين:

أنا في حبّ بلادي مغرمٌ

ومن الإيمان حبُّ الوطنِ

وبحب العُرب قلبي هائمٌ

إن حبّ العُرب قد هيمني

«تذكرت الموسوعي العروبي الكبير ناجي معروف؛ وأنا أتابع بفرح وأمل؛ الزيارة الأخيرة لوفد المستثمرين السعوديين إلى دولة العراق الشقيقة، والجارة الجريحة، وقد سبق هذه الزيارة زيارات أخَر، وتم فتح للمنافذ البرية بين البلدين. هذا كله يصب في دعم الاقتصاد العراقي المنهار، وفي توثيق العلاقات الأخوية بين الشعبين العربيين الجارين الشقيقين في المملكة العربية السعودية والعراق، بعد أن استفرد الفرس الصفويون بهذا البلد وأهله، وراحوا يسرحون ويمرحون، ويدخلون ويخرجون؛ وكأنهم من بقية أهله، فأثاروا النعرات، وولّدوا الفرقة المذهبية والطائفية والمناطقية والحزبية، حتى أخذ الأخ يقتل أخاه، ويفجر في أهله وبلده دون وعي أو رأفة، وحتى أخذ زعماء الملالي؛ يفخرون فيعلنون بكل وقاحة وتبجح؛ أنهم يحتلون بغداد مثلما يحتلون دمشق وبيروت وصنعاء..! إن ما يجري اليوم من انفتاح عراقي على جواره العربي؛ يبشِّر بخير. إن مخاض التقارب العراقي مع محيطه العربي عسير وصعب للغاية، وله تضحيات جسيمة وثمن باهظ؛ إلا أنه آت لا محالة.

«أدرك ناجي معروف الأخطار المحدقة ببلده العراق منذ أكثر من ثمانين سنة، وتحديدًا في 1933م. كان -رحمه الله- من القلائل الذين وعوا الخطر الإيراني آنذاك، فخطب وكتب وقال من ضمن ما قال: (أما جيراننا الفرس؛ فلهم مصالح دينية ممزوجة بروح سياسية في المراقد المقدسة في كربلاء والنجف والكاظمية، وفي نفوس الكثيرين منهم؛ حس قومي شديد، كحس الأتراك القومي، يرمي إلى نبذ كل ما يصطبغ بصبغة عربية. ودقّق النظر في تطورهم الحالي؛ تجدهم أصبحوا اليوم يعنون عناية كبرى بأعيادهم وتقاليدهم القومية، كعيد النيروز وأمثاله، من حيث قلة العناية بعيدي الفطر والأضحى، فقد جعلوا مدة كل عيد يومًا واحدًا لا أكثر، وكانوا من قبل يبالغون في الاحتفال بهما عدة أيام).

«كان يقول كذلك - رحمه الله -: (والذي يهمنا أمره من حيث الجوهر لا التطور الداخلي الذي تتطوره جارتنا إيران، لتبلغ مرتبة الدولة الحديثة في نظامها وجيشها وصناعتها، فالعراق العربي يحب الخير لجيرانه، كما يحبه لنفسه بلا ريب، ولكننا نرى بعض عناصر في الروح القومية الفارسية الحديثة، التي لا تنظر إلى العراق من خلال منظار صافي الزجاجة نقي العدسة، وهذا ما نخشى جانبه، ونحب أن يُحذر، على أمل أن تتلافاه السياسة الحكيمة قبل أن ينقلب إلى قضية شائكة بين الدولتين الجارتين، وأهم ما ندل عليه بالصراحة؛ هو انتصار السياسة الفارسية لفكرة الطائفية ضمن حدود العراق، ويبدو هذا جليًا للعربي خارج العراق؛ إذا أقام في العراق مدة، وعرف كيف تنبث هذه السياسة الآتية من إيران في المجتمع العراقي، وخاصة في التعازي والمآتم يوم عاشوراء، وهناك لا ينكر كثير من العلماء الفرس؛ ممن يتاجرون بالمذاهب الدينية والطائفية على حساب العراق لمصلحة الجارة إيران. ومعلوم أن للسفارة الإيرانية في بغداد يدًا في تسيير هذه الحركة على نحو ما كانت تفعل السفارات الأجنبية لمصلحة الدول الكبرى الطامعة في البلاد العثمانية، حتى إن في العراق مدارس إيرانية يُنفق عليها بسخاء، لإعزاز الروح القومية الإيرانية ضمن حدود العراق).

«وفي ذات السياق قال - رحمه الله -: (لنكون على بصيرة من يقظتهم، ونوجه اللوم كله نحونا نحن، الذين نتخاذل أمامهم، فنفسح لهم ولغيرهم الميدان لهذا العمل).

«قلت: هذه رؤية ثاقبة، ونبوءة متقدمة، من عالم عربي عراقي وطني ثبت مع الأيام صدقها، وظهر للعيان رسمها - ولكن بعد خراب بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء - أن الخطر الإيراني يقوم على مشروع قومي شعوبي قديم. إنه ماسونية مجوسية خبيثة، يستهدف تفريس العرب، والسيطرة عليهم، والاستيلاء على مقدراتهم، بدءًا من الجوار الذي أقربه العراق، وهو مشروع قديم، ويتمثل في الآتي:

1 - إيران تتوسل بالطائفية والدين، لبناء مجدها القومي، والعودة إلى بناء الإمبراطورية الفارسية التي قضى عليها العرب المسلمون على عهد الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.

2 - إيران تعمل بكل خبث وتفانٍ؛ على تكريس الطائفية ونشرها بين العرب، من خلال اختراع مناسبات متعددة، لإذكاء هذه الروح الملعونة، وخاصة في التعازي والمآتم وعاشوراء.

3 - إن السفارات والمراكز الثقافية الإيرانية؛ هي الراعية والمسيّرة لهذه التدخلات في شئون الدول التي وطدت فيها أقدامها، وقد رأينا كيف أن سفير إيران في بغداد مؤخرًا؛ يصرح مهددًا بعض الدول الكبرى باسم العراق..!

«لا شك أن العراق وغيره من البلدان العربية التي ابتليت بالوجود الفارسي على أراضيها؛ مليء بالأحرار من العرب الأقحاح أمثال (العالم العراقي ناجي معروف). لعل أحرار العراق اليوم؛ يعودون لقراءة نبوءة معروف هذه، التي أصبحت واقعًا ماثلًا بين ظهرانيهم، كي يتحدوا ضد التفريس الممنهج، والموجسة المتعمدة لأجيالهم. كلي ثقة؛ أن اليوم الذي ينتفض فيه مارد العروبة في نفس كل عراقي وسوري ولبناني ويمني؛ أصبح قريبًا. إن أحرار العرب في كل مكان؛ كما وصفهم (جار الله محمود الخوارزمي الزمخشري ت 538 هـ) يوم قال من قصيدة:

إباءٌ إباءَ الخيل وهي شوامسُ

وصبرٌ كصبْر الهيم وهي حوامس

وما زال منهم في الهزاهز كلها

فوارس هَيْجا أو ليوث فوارس

فهم فرسوا أبناء فارس كلَّهم

بأنيابهم وهي الرماح المداعس