منظومة الأمن القومي في أي حكومة تتكوَّن من مؤسسات الأمن القومي المعروفة المتمثلة في وزارات الدفاع والخارجية والداخلية ومستشار الأمن القومي، هذا في حالة النظام الأميركي وفي حالة الكويت، التي هي جوهر هذا المقال، يحل جهاز الأمن الوطني ورئيسه محل مستشار الأمن القومي. للأسف يختزل البعض عندنا مفهوم الأمن القومي في منظومة المخابرات الداخلية والخارجية، كأنك تتحدث عن «إم أي 6» و «إم آي 5» في بريطانيا، أو «سي أي إيه» و«إف بي آي» في أميركا، والحقيقة ورغم أهمية هذه الأجهزة إلا أنَّها مجرد أجهزه تنضوي تحت المظلة الكبرى المعروفة بمنظومة الأمن القومي.
هاجس الأمن القومي بالنسبة للدول الصغيرة، هو هاجس حقيقي وربما في حالة الكويت التي عانت تجربة الغزو والاحتلال وخطر المحو خلال سبعة شهور من حياتها منذ الثاني من أغسطس (آب) 1990، حتى التحرير 26 فبراير (شباط) 1991 يكون هذا الهاجس مضاعفاً. قد تتغير أو تختلف التحديات الداخلية والإقليمية والعالمية، إلا أن هاجس الأمن يظل هو الهم الأول لأي حكومة كويتية. في هذا المقال أدعي أن حكومة الكويت الجديدة ربما تكون من أفضل حكومات الكويت، من حيث حقائب الأمن القومي على الأقل على مستوى القدرة على التنسيق (interoperability) والتوجه الاستراتيجي وتشابه الخبرات واللغة بين أعضاء هذه المنظومة، وبنظرة سريعة على منظومة الأمن القومي في حكومة الشيخ صباح الخالد الجديدة يمكننا التعرف على هذه الحقيقة بوضوح، ومن خلالها أيضاً يمكننا فهم توجه أمير الكويت الجديد فيما يخص القضايا الاستراتيجية في المنطقة ورؤية الكويت لها.
هواجس الكويت الأمنية يمكن تلخيصها في ثلاث قضايا كبرى، تحدى الخطر الإيراني، وأزمة التصدع في الكيان الخليجي، وتبعات الربيع العربي بحزمة قضاياه السياسية والاقتصادية والأمنية، وأي حكومة لا بد أن تضع في اعتبارها هذه التحديات كأولوية.
طاقم الأمن القومي الكويتي في التشكيل الوزاري الجديد مثير للانتباه والتأمل، لما ينضوي عليه من خبرات متقاربة ستؤدي بالضرورة إلى مستوى عالٍ من التنسيق والمشاركة في المفاهيم الحاكمة بطريقة غير مسبوقة في منطقتنا. الكفاءة والقدرة على التنسيق هي سمة هذه الحكومة الأولى.
بقراءة سريعة يبدو جلياً للمراقب والمتابع الجيد أنَّ الشيخ صباح الخالد في حكومته الجديدة فيما يخص منظومة الأمن القومي اعتمد على أكثر شباب الأسرة الحاكمة تعليماً وخبرة في مجال الأمن، وهي مجموعة أيضاً متقاربة جداً في العمر وفي التوجهات الاستراتيجية. فقد عيَّن الشيخ الدكتور أحمد ناصر المحمد الصباح وزيراً للخارجية وهو حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون ومتمرس في العمل الدبلوماسي، إذ كان ولفترة طويلة رئيساً لمكتب وزير الخارجية والذي أصبح رئيساً للوزراء فيما بعد، ويتمتع أحمد ناصر المحمد بخبرة عملية وأكاديمية واسعة في العلاقات الدولية والعمل الدبلوماسي. منذ أكثر من عامين كنت على موعد لمقابلة وزير الخارجية الشيخ صباح الخالد، وجلست أنتظر الموعد في مكتب الشيخ الدكتور أحمد الناصر وتحدثنا تقريباً في كل الملفات الإقليمية والتي جئت من أجلها للتحدث إلى الوزير، وأحسست يومها بأنه ربما لم يعد هناك سبب تبقى لمقابلة الوزير، فقد حصلت على كل ما أريد من مدير مكتبه، وبالفعل سلمت على الوزير وأخبرته أنني استمعت إلى إيجاز كاف من الدكتور، ولم يبق إلا شرف السلام. النقطة هي أن مدى إلمام الدكتور الناصر بقضايا المنطقة ووضعها في سياق إقليمي وعالمي مفهوم لهي من صفات الدبلوماسي المتميز وبالفعل كان الناصر كذلك وأكثر.
أما وزير الداخلية الجديد، الشيخ تامر العلي السالم الصباح، فتعرفت عليه منذ كان نائباً لرئيس جهاز الأمن الوطني، ثم رئيساً لهذا الجهاز المهم أثناء فترة عملي في معهد الدراسات الاستراتيجية بلندن، وفترة مشاركتي في الإشراف على حوار المنامة ولمدة ست سنوات، وكان الشيخ تامر هو من يمثل الكويت في هذا الملتقى الاستراتيجي المهم. وفي كل حواراتي معه كان الشيخ تامر يتمتع بخبرة عالية في قضايا الأمن بمعناها الواسع، وكان دائماً شخصية فاعلة وتتمتع باحترام كبير في مجتمعات الأمن الدولية، فهو الذي أشرف على التنسيق الكويتي مع حلف الناتو وجعل من بلده شريكاً مع الحلف رغم أن الكويت ليست عضواً بحلف الناتو. الشيخ ثامر سيطرح تحدياً جديداً للقيادات الأمنية في الإقليم، إذ أنه رجل أمن من الطراز الرفيع وذو خبرة واطلاع في قضايا الأمن بشكله المتقدم اليوم.
أما وزير الدفاع الجديد فهو الشيخ حمد جابر العلي الصباح وهو من أكثر شباب الأسرة ديناميكية وخبرة في المجالات الأمنية والدبلوماسية ويتمتع بخبرات خاصة ومعرفة لصيقة بقضايا الخليج العربي، إذ عمل لفترة طويلة سفيراً للكويت لدى المملكة العربية السعودية.
الشيخ حمد هو أيضاً ابن وزارة الدفاع إذ عمل رئيساً لمكتب وزير الدفاع كما عمل أيضاً رئيساً لديوان ولي العهد والأمير الحالي، أيضاً شغل منصب وزير الإعلام الكويتي لفترة قصيرة في حكومة الشيخ جابر المبارك. أضف إلى ذلك أنَّ الشيخ حمد رجل ذو كاريزما وقبول اجتماعي وحضور لا يغيب عمن يعرفه. ويعد اختيار الشيخ حمد وزيراً للدفاع نقلة نوعية في فهم جديد لمنظومة الدفاع في الكويت.
تعيَّين الوزراء الثلاثة في هذه المواقع لما يتمتعون به بخبرة وعلاقات مميزة فيما بينهم يجعل من منظومة الأمن القومي الكويتي مثلا يحتذى، ثلاثتهم من نفس الجيل ونفس الخبرات تقريباً وجميعهم ملم بأكثر من لغة أجنبية ليس على الطريقة العربية، بل إلمام كامل لا يجعل أيا منهم يحتاج إلى مترجم في لقاءاتهم الخارجية.
اختيار الشيخ صباح الخالد لطاقم أمن قومي بهذه الكفاءة والقدرة على التنسيق ينمُّ عن أن رئيس الحكومة لديه مفهوم محدد للأمن القومي، مفهوم تفرضه عليه خبراته كوزير للخارجية ورئيس لمجلس الوزراء في أوقات صعبة من تاريخ الكويت الحديث، مفهوم أيضاً يعكس أن الأمن القومي هو هم الكويت الأول في هذه الفترة.
النقطة الجوهرية في هذه الاختيارات والتي ربما تغيب عن كثيرين هي أنَّ هذا المثلث هو أوجه مختلفة لشخص رئيس الوزراء ذاته ولمجمل خبراته، فالشيخ صباح نفسه كان سفيراً في المملكة العربية السعودية مثل وزير الدفاع الشيخ حمد وكان رئيساً لجهاز الأمن الوطني مثل الشيخ تامر، ثم وزيراً للخارجية مثل الشيخ الدكتور أحمد ناصر المحمد، إذن أربعتهم من نفس المدرسة الفكرية والخبرة العملية، ويتحدثون نفس اللغة، وينطلقون من ذات المنطلقات التي تحدد أسس الأمن القومي.
ماذا يعني ذلك؟
الملاحظة الأولى الجديرة بالتأمل هي أن كلاً من رئيس الوزراء ووزير الدفاع لهما خبرة مباشرة وخاصة بالمملكة العربية السعودية، مما يعني تنسيقاً على أعلى المستويات بين البلدين مبنياً على معرفة وخبرة مباشرة، وهذا يجعل هذا التنسيق من أولويات الحكومة الجديدة في ظرف تمر به منظومة التعاون الخليجي بتحديات استراتيجية كبرى سواء على مستوى التحدي الإيراني أو على مستوى أزمة الشرخ الذي أصاب منظومة مجلس التعاون الخليجي. وهذا يعني أن مستوى تنسيق السياسات بين المملكة والكويت سيكون في أعلى مستوياته.
الملاحظة الثانية هي أن التشكيل الوزاري يعكس التوجه الاستراتيجي لأمير الكويت الجديد الشيخ نواف الأحمد الصباح والذي يضع أمن الكويت على كل مستوياته كأولوية، من خلال اختيار حكومة قادرة ومؤهلة للاضطلاع بهذه المهمات الوجودية. والأمير نفسه تولى وزارة الدفاع في الفترة الحرجة من تاريخ الكويت أثناء الغزو كما تولى حقيبة الداخلية، ومن هنا يكون هاجس الأمن كأولوية في التوجه الاستراتيجي للأمير في أول حكومة له هو نتاج طبيعي لخبراته العملية.
في منطقة محاطة بحلقة من نار لا يبقى هناك حل لإدارة شؤون الدول إلا الكفاءة والخبرة، وهذا ما انعكس في هذه الحكومة في منظومة الأمن القومي.