معناها «المتحدي» وقد أطلق الاسم على مجموعة مركبات من طائرات، وسفن، وسيارات عبر التاريخ، ولكن أكثرها شهرة على الإطلاق كان المكوك الفضائي الذي غيَّر تاريخ استكشاف الفضاء في مثل هذا الأسبوع. وتحديداً ففي 28 يناير 1986 تحطم «تشالنجر» بعد انطلاقه نحو الفضاء بحوالي 73 ثانية أمام مئات ملايين المشاهدين على الهواء مباشرة، وقتل سبعة رواد فضاء، وأحلام برامج الفضاء الأمريكية لأغراض الدفاع، والعلوم، والتجارة. وقبل الخوض في بعض من عجائب تلك الكارثة أود أن ألفت نظركم إلى أهمية الطقس في تغيير مسار التاريخ سواء كان في البر، أو البحر، أو الجو، أو الفضاء. في 24 يونيو 1812 تحطمت آمال نابليون في غزو روسيا براً بسبب الشتاء الروسي الرهيب. وأما في البحر ففي 15 أغسطس 1281 فقد جاءت الرياح الهائلة لتردع القوات المغولية التي حاولت أن تغزو اليابان فأغرقت حوالي ثلاثة آلاف وخمس مائة سفينة محملة بالجنود.. وولد مصطلح جديد عرفه العالم بأكمله وهو «الكاماكازي» نسبة إلى ذلك الإعصار «المقدس». وأما في الجو في اليابان، ففي التاسع من أغسطس 1945 كانت مدينة «كوكورا» هي ثاني المدن المستهدفة للضرب بالقنبلة الذرية، ولكن بسبب الأحوال الجوية تم اختيار البديل وهو مدينة «ناجازاكي» فتغير تاريخها.. وهناك مئات الأمثلة التاريخية على دور الطقس في تغيير مجرى التاريخ. ونعود إلى المكوك «تشالنجر» في صباح 28 يناير الذي تميز بشدة برودته لدرجة تسببت في تكوين طبقات ثلوج سميكة على منصة الإطلاق. وكانت هذه فريدة لأن ولاية فلوريدا تتميز بطقسها الدافئ حتى في الشتاء. وكان المكوك يعتمد على منظومة حركة تشتمل على حوالي 44 محركاً أهمها خمسة محركات عملاقة للإطلاق والوصول إلى الفضاء الخارجي. وأقوى تلك المحركات كان بداخل «صاروخي التعزيز» اللذين يعتمدان على الوقود الصلب الذي إذا اشتعل لا يتم التحكم فيه إلى أن ينفد تماماً. وكان حجمهما يعادل طول تسع سيارات «لاند كروزر» وقُطرهما يعادل قُطر مقصورة البوينج 737 تقريباً. وكان يتم شحنهما براً إلى قاعدة الإطلاق على هيئة أربعة أنابيب عملاقة، ويتم تجميعهم في مبنى خاص. ولتفادي هروب الغازات الحارة جداً التي تفوق ضعفي درجة حرارة شعلة «الدافور»، وبسرعات مهولة تصل إلى ثمانية آلاف كيلومتر في الساعة.. ولحماية هيكل المكوك من تسرب الغازات الساخنة ذات الضغط العالي، كان يتم عزل أطراف الوصلات بحلقات مطاطية دائرية مركّبة على محيط وصلات أجزاء الصاروخين. ولكن بسبب البرودة الشديدة في ذلك الصباح، انعدمت مرونة الحلقات المطاطية وتسربت الغازات الحارقة فاشتعل خزان وقودها العملاق، وتحطمت المركبة في ثوانٍ معدودات أمام الجميع.. غير الطقس تاريخ استكشاف الفضاء أمام عيون العالم.
ومن القصص العجيبة المتعلقة بتلك الكارثة هي أن مندوبي الشركة المصنعة للصواريخ المعززة كانوا على علم بالمخاطر القاتلة ليلة الانطلاق ولكن كان رأي الإدارة أقوى من رأي الهندسة للمضي قدماً.. ومن القصص العجيبة أيضاً أن رائد الفضاء الأمريكي «أونيزوكا» الذي لقي حتفه في كارثة «تشالنجر» حمل معه كرة قدم في الرحلة. وبمشيئة الله كانت الكرة سليمة بعد تحطم المكوك بالكامل، وتم وضعها في متحف مدرسة ابنته في مدينة «كلير ليك» في ولاية تكساس. وبعد مرور ثلاثين سنة على الكارثة، حملها رائد الفضاء «شين كمبرو» إلى محطة الفضاء الدولية ثم عادت الى الأرض لتكمل رحلتها الأصلية.. كرة الحظ.
أمنيـــــــــــــة
كارثة المكوك «تشالنجر» تعكس أهمية الطقس في حياتنا لدرجة غيرت التاريخ. أتمنى أن يذكرنا بمخاطر التغير المناخي التي لم يعطها العالم الأهمية الكافية واللائقة، والتي تحتاج إلى المزيد من العناية بأمر الله.
وهو من وراء القصد.
التعليقات