في عام 1994 أخرج حسام الدين مصطفى فيلم «الجاسوسة» من بطولة نادية الجندي وحسين فهمي وفاروق الفيشاوي واحمد مظهر. هذا الفيلم كتب قصته بشير الديك ليروي فيها حكاية واحدة من الراقصات والممثلات المصريات القديمات التي دار حولها الكثير من الجدل، ولقبت في زمنها بـ«سلطانة الغرام». أما مبعث الجدل حولها فمحوره كما قيل أنها كانت تتجسس على الجيش البريطاني في مصر لصالح قوات ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية اقتناعا منها أنها تسهم بذلك في تخليص بلدها من الاحتلال البريطاني. والحقيقة أنه لا يوجد في تاريخ الفن المصري فنانة ثار حولها اللغط واكتنفت سيرتها الغموض والاشاعات بمثل ما حدث مع حكمت فهمي ابنة دمياط، المولودة في 24 نوفمبر 1907، والمتوفية في 28 يونيو 1974.

بدأت حكمت مسيرتها الفنية بالعمل كممثلة في فرقة علي الكسار المسرحية قبل أن تنتقل للرقص في ملهى بديعة مصابني الذي كان يتردد عليه ضباط وجنود الاحتلال البريطاني المعجبين برقصها. بسبب طموحاتها تركت حكمت مصر وسافرت إلى النمسا، وهناك شاهدها وزير الدعاية النازي غوبلز ترقص، وسأل عنها، وحينما علم بشعبيتها لدى جيش الاحتلال البريطاني بمصر أمر بتجنيدها لصالح ألمانيا. وطبقا لما ذكره الكاتب الصحفي المصري محمود صلاح في كتابه «السادات والجاسوسة»، فإن حكاية التجنيد بدأت بدفع شاب متمكن من اللهجة المصرية للتعرف عليها وتمثيل دور العاشق الولهان أمامها وإقناعها بأنه طالب مصري اسمه حسين جعفر. ولم يكن هذا الشاب سوى الضابط الألماني أبلر الذي كانت أمه الألمانية تعمل في بورسعيد بعد انفصالها عن والده، وهناك تعرفت على المحامي المصري حسين جعفر وتزوجته وقام الأخير بتبني ابنها. وحينما كبر الطفل سافر إلى ألمانيا باسم حسين جعفر فالتقطته المخابرات النازية للعمل لصالحها بسبب اتقانه اللغة العربية.

جملة القول إن الضابط أبلر تقرب من حكمت وأوقعها في غرامه، وهي لا تدري حقيقته، ثم اختفى مؤقتا، ليظهر لاحقا في مصر بعد أن دخلها متنكرا بملابس ضابط انجليزي. كانت حكمت وقتذاك قد عادت إلى مصر بسبب ظروف الحرب في أوروبا لتعمل في ملهى الكونتيننتال ثم في ملهى الكيت كات، فعاود أبلر الاتصال بها وشكل منها ومن آخرين شبكة للتجسس على الانجليز، ونجحت حكمت في إيقاع الضابط البريطاني الكبير الميجور سميث في غرامها وحصلت منه على معلومات غاية في الأهمية عن تحركات الجيش البريطاني استعدادا لمواجهة الألمان الذي كانوا يزحفون إلى مصر عبر العلمين بقيادة روميل، فيما كان أبلر يرسل هذه المعلومات إلى الألمان عن طريق جهاز لاسلكي. ويقال أن الجهاز أصابه الخلل ذات مرة فلجأ أبلر إلى حكمت طالبا منها البحث عن مصري موثوق لإصلاح الجهاز فلجأت حكمت بدورها إلى حسن عزت صديق الضابط المصري الكاره للإنجليز أنور السادات الذي وافق على المهمة. ومن هنا ارتبط اسم السادات بحكمت فهمي، علما بأنه حينما ألقي القبض على أبلر وحكمت والسادات وحسن عزت نفى السادات علاقته بأي شبكة تجسسسية، لكنه عوقب بالطرد من الخدمة والسجن. أما حكمت فقد سجنت وساءت حالتها في السجن بعد أن تخلى عنها الجميع، ولم تخرج منه إلا بعد أن دفعت رشوة قدرها 200 جنيه. وبمثل ما دفع أبلر (أو حسين جعفر) حكمت للتجسس على الانجليز، قام الإنجليز بتجنيد راقصة يهودية فرنسية تدعى ايفيت لتمثيل دور العاشقة الولهانة مع أبلر حتى تمكنت من جمع معلومات عن نشاطه وإبلاغ الإنجليز بها، وهو ما أثمر عن اعتقاله مع كل المتعاونين معه.

دخلت حكمت مجال التمثيل عام 1929 من خلال فيلمها الأول «جهنم في الرمال» من بطولتها مع بشارة واكيم وفيكتوريا كوهين. وفي عام 1933 شاركت في فيلم «الزواج» من إخراج وبطولة فاطمة رشدي مع محمود المليجي وعلي رشدي وعبدالمجيد شكري. وفي عام 1937 قدمت فيلمين هما «تيتاوونج» لأحمد كامل مرسي من بطولة أمينة حسن وحسين صدقي، و«الحب الموريستاني» للمخرج الإيطالي المتمصر ماريو فولبي وتمثيل محمود المليجي وماري منيب وبشارة واكيم وعبدالسلام النابلسي. وفي عام 1939 وقفت مجددا أمام فاطمة رشدي وحسين صدقي وماري منيب وعبدالسلام النابلسي في فيلم «العزيمة» من إخراج كمال سليم. أما في الأربعينات فقد شاركت في فيلمين هما رباب/‏1942 لأحمد جلال من بطولته مع زوجته ماري كويني، وفيلم المتشردة/‏1947 للمخرج محمد عبدالجواد من تمثيل محسن سرحان وسراج منير وفؤاد جعفر وماري منيب وحسن البارودي ومختار عثمان ورفيعة الشال وثريا فخري.

ما يجدر بنا ذكره أن حكمت تزوجت من المخرج محمد عبدالجواد (مخرج آخر أفلامها) ورزقت منه بأبنائها، كما سجلت للإذاعة المصرية مذكراتها في ستينات القرن الماضي على شكل حلقات متسلسلة.