لدى شركة إيرباص رؤية لمستقبل الطيران عبر أوروبا وحول العالم. ومن المفاهيم الرئيسة التي كشفت عنها شركة إيرباص أخيرا هي الطائرة الجديدة صفرية الانبعاثات التي تحمل اسم "زيرو إي" والمخطط دخولها السوق بحلول عام 2035، ومن المنتظر أن يتم تشغيلها بواسطة وقود الهيدروجين بدلا من البتروكيماويات أو البطاريات الكهربائية. والفكرة الأساسية التي يقوم عليها وقود الهيدروجين هي حرق الهيدروجين السائل باستخدام الأكسجين في توربين غازي، ما يؤدي بعد ذلك إلى إنشاء نظام دفع كهربائي هجين عالي الكفاءة. وتتمثل الانبعاثات الناتجة عن هذه العملية إلى الغلاف الجوي في أول أكسيد الهيدروجين أو ما يعرف باسم الماء، ذلك العنصر الخالي من المواد الكيميائية الضارة والإشعاع والملوثات. ويمكن القول، إن هذه هي التقنية الحقيقية الوحيدة الخالية من الانبعاثات والممكن توفيرها تجاريا اليوم. الرائع في الأمر أن وقود الهيدروجين يمكن أن يعمل مع تقنية الطائرات الحالية ويمكن أن يتلاءم نسبيا مع بعض الإمكانات التي يوفرها وقود الطائرات التقليدي، وعن طريق تعديل طريقة عمل محرك الطائرة يمكن تحويله إلى العمل بالهيدروجين ثم تثبيته في أي هيكل طائرة قائم بالفعل. ولهذا السبب فإن شركة إيرباص متفائلة للغاية بخصوص إمكانية إدخال التقنية إلى السوق بحلول عام 2035.
وتعمل شركة إيرباص على تصميم ثلاث طائرات بمفاهيم جديدة ينتظر أن تستخدم هذه التقنية. الطائرة الأولى تعتمد على محرك هيدروجين توربيني وتشبه الطائرة أيه تي آر 72 أو الطائرة كيو 400 اللتين تستخدمان في الأغلب في الشبكات الإقليمية حاليا. وسيبلغ مدى هذه الطائرة نحو 1000 ميل بحري وستضم محركين خاصين يعملان بالهيدروجين. ومن المخطط أن تتسع هذه الطائرة لأقل بقليل من 100 راكب، لكن نظرا إلى أنها مصممة للمسارات الإقليمية، فإن مواصفاتها مناسبة تماما.
أما الطائرة الثانية فتستطيع أن تقل 200 راكب ويبلغ مداها 2000 ميل بحري، وهي تشبه تماما الطائرات التي نراها تحلق حول العالم اليوم. ورغم عدم إطلاقها أي انبعاثات، فإن مداها يعد مثاليا لمعظم المسارات، حيث إن متوسط المسافة التي يقطعها معظم الرحلات اليوم هي 1240 ميلا بحريا أو 2300 كيلومتر فقط.
الطائرة الأخيرة والأكثر إثارة للاهتمام هي تلك التي تعتمد على مفهوم الجناح المدمج، حيث سيتم ترتيب أماكن جلوس الركاب ومخازن نقل البضائع بطريقة مختلفة تماما عن الطائرات الحديثة. لكن نظرا إلى أن الجناح جزء من فراغ الطائرة نفسه، فإنها ستكون قادرة على تقليص احتياجاتها من الوقود، ما يعني قدرتها على قطع مدى أطول وحمل مزيد من الركاب.
وقد صرح الرئيس التنفيذي لشركة إيرباص تعليقا على هذا الحدث قائلا: "إن التصاميم التي كشفنا عنها أخيرا ستقدم للعالم لمحة عن طموحنا في قيادة رؤية جريئة لمستقبل رحلات جوية خالية من الانبعاثات. وأنا أعتقد اعتقادا راسخا أن استخدام الهيدروجين كوقود اصطناعي ومصدر طاقة أساسي للطيران التجاري، سيمكننا من الحد بشكل كبير من الأثر السلبي لأنشطة الطيران على المناخ".
لكن هناك بعض العيوب في تقنية الهيدروجين التي يجب أن نناقشها. أولا نحن نتحدث عن نوع من الوقود لا يتم إنتاجه بالكميات اللازمة لشركات الطيران حول العالم، بل إن إنتاج الوقود الحيوي الذي شهد تطورات هائلة في الأعوام الأخيرة يتخلف بأعوام ضوئية عن أي تأثير حقيقي في عمليات شركات الطيران بسبب ضعف الإنتاج، فعلى سبيل المثال ستستهلك شركة الطيران الهولندية الإمداد العالمي الكامل من الوقود الحيوي في أقل من يوم من أيام ذروة التشغيل، فما بالك ونحن نتحدث عن نوع وقود آخر لا يتم إنتاجه بمستوى إنتاج الوقود الحيوي نفسه؟ هذا فضلا عن أن المدى الذي يمكن قطعه بوقود الهيدروجين أقل بكثير من المدى الذي يمكن قطعه بوقود الطائرات التقليدي.
ومن المحتمل أن الطائرات التي تحلق اليوم لن تتحول فعليا أبدا إلى تقنية وقود الهيدروجين، لأنها لا تسمح بالطيران لأكثر من 2000 ميل بحري، أي: في حين أن فكرة تقنية وقود الهيدروجين هي فكرة طموحة، لا تزال هناك حاجة إلى طائرات المسافات الطويلة العاملة بالوقود الأحفوري لربط المدن البعيدة. لكن من يستطيع الزعم أن الإصدارات المستقبلية من الطائرات الهيدروجينية لا يمكنها المنافسة في مثل تلك الرحلات العابرة للأطلسي.
جدير بالذكر أيضا أن المطارات ستتطلب بنية تحتية ضخمة لتيسير نقل وإعادة التزود بوقود الهيدروجين لتلبية احتياجات العمليات اليومية. وسيكون الدعم المقدم من مختلف الحكومات أمرا أساسيا لتحقيق هذه الأهداف الطموحة مع زيادة التمويل الموجه لأنشطة البحوث والتقنية. كما ستكون هناك حاجة إلى وضع آليات تشجع على استخدام الوقود المستدام وتجديد أساطيل الطائرات للسماح لشركات الطيران بالتخلي عن الطائرات القديمة الأقل صداقة للبيئة في أقرب وقت ممكن.
أخيرا يجب أن نذكر أن شركة إيرباص لا تتمتع بسجل حافل عندما يتعلق الأمر بالطائرات البيئية. فقد سبق أن خططت الشركة لإطلاق طائرة كهربائية تسمى "إي فان إكس" تحتوي على محرك كهربائي واحد في الجناح وثلاثة محركات وقود نفاثة بالشراكة مع شركة رولز رويس، لكن الأمر انتهى بإلغاء الفكرة تماما في نيسان (أبريل) الماضي. ما يجعلنا نتساءل إن كانت طائرات الهيدروجين سترى النور يوما ما؟. ولا شك أن وضع أنشطة السفر الجوي بقوة على خط المواجهة ضمن جهود مكافحة تغير المناخ، سيجعل من أي حركة في الاتجاه الصحيح لإتاحة السفر الجوي صفري الانبعاثات خطوة جيدة جدا.