في عام 1993 أسَّست بكين «وكالة الفضاء الصينية»، واليوم أصبحت الصّين قوة عظمى فضائية، امتد نطاق عملها من السطح المظلم إلى القمر.. إلى كوكب المريخ، وحين أسست الصين وكالتها كانت هناك سخرية لدى بعض الأوساط العلمية في الغرب، فماذا عساها يمكن أن تفعل الصين وسط الكبار الذين سبقوا إلى السماء بعقود؟!

قبل أعوام قليلة أعلنت دولة الإمارات عن مشروعها الفضائي، ولم يسلم المشروع الطموح من الإساءة وعدم التقدير، ومضت سنوات من العمل والأمل، ثم لمّا كان فبراير 2021 وصل المسبار الإماراتي إلى كوكب المريخ.

سيظل الإماراتيون يتذكرون دوماً يوم التاسع من فبراير كل عام، باعتباره ذلك اليوم الذي وصل فيه مسبارهم إلى الكوكب الأحمر، وسط اهتمام الأوساط العلمية في كل العالم.

روى لي الدكتور أحمد زويل حجم الإثارة العلمية التي عايشها العلماء في وكالة ناسا أثناء هبوط المسبار «كيوريوسيتي» على سطح المريخ، وقد كان ضيفاً في الوكالة لمتابعة البث المباشر للهبوط.

لم يكن متصوراً وقتها أن تمرّ عدة سنوات، ثم يتكرر ذلك المشهد في بلدٍ عربي.. حيث ينتظر العلماء والخبراء والمهندسون، وعموم الناس لمتابعة تلك اللحظة التاريخية لمسبار الأمل.

راح الناس يتابعون الأمر كأنه فيلم سينمائي مشوّق، حيث كان المسبار يسير بسرعة (120) ألف كم في الساعة، وكان يجب في الـ60 يوماً الأخيرة الإبطاء التدريجي للسرعة، حتى وصلت إلى (18) ألف كم في الساعة، ذلك أنها لو زادت أكثر مما يجب لتحطّم المسبار على سطح المريخ، وأنها لو أصبحت أقل سرعة مما يجب لتجاوز المسبار المريخ وتاهت المهمة.

راح الناس يبحثون عن الكوكب الأحمر، ثم إذا هم يندهشون لتلك المصطلحات الأخّاذة «خط الاستواء المريخي» و«القطب الجنوبي المريخي»، والبحيرات الموجودة أسفل سطح المريخ، وراح المهتمون يقارنون هذه البحيرات بالبحيرات لدينا، طولاً وعرضاً ومساحة، كما ذهبوا يتأملون احتمالات الحياة على ذلك الكوكب المثير.

إن مهمة مسبار الأمل تطرح العديد من النقاط المهمة التي لا يمكن تجاوزها، النقطة الأولى: العلم هو القوة، فلا مكانة سياسية من دون مكانة اقتصادية، ولا مكانة اقتصادية من دون مكانة علمية، فالعلم هو السياسة في نهاية المطاف.

النقطة الثانية: إن توطين العلم هو الفريضة الواجبة في مواجهة من يريدون توطين التطرف، وتوطين المعرفة هو السبيل لقطع طريق من يريدون توطين الفوضى.

النقطة الثالثة: إن الوصول إلى المريخ ليس أمراً عبثيّاً، أو فراغاً فكريّاً بل هو استقراء لكوكب ربما كان أخضر قبل أن يكون أحمر، وذلك حتى لا يصبح مصير الأرض كالمريخ، أو أن يعود المريخ في المستقبل لما عليه الأرض في الحاضر، فيصبح قابلاً للحياة.

إن دراسة مسبار الأمل والمركبات الأخرى للمناخ والماء على المريخ لا يهدف إلى تعظيم المعرفة فحسب، بل يهدف قبل ذلك كله وبعده إلى حماية الأرض من مصير المريخ، ومنع الكوكب الأخضر من الانزلاق في طريق الكوكب الأحمر.