شكلت الكويت أرضية خصبة للقاء الأشقاء والأصدقاء وبنك المصالحات ودائرة المفاوضات (أ ف ب)

"حيوا الكويت بعيدها الوطنيّا" كما غنت فيروز، وغنت أم كلثوم لها: "يا دارنا يا دار، يا موطن الأحرار"، وتغني بأمير استقلالها وباني نهضتها الحديثة -الشيخ عبدالله السالم- الفنان الراحل عوض دوخي: "حامل لواء الحرية، حقق آمالنا الوطنية".

سطر الشعراء بيوتاً من الشعر في حب الكويت والثناء عليها، وغنّى لها فنانون عرب كثيرون لا تزلفاً ولا رياء، فهي الكويت برمزيتها وتفوقها وعطائها في تاريخ العرب الحديث، هي التي تحتفل هذه الأيام بذكرى استقلالها الستين، وتستذكر يوم تحريرها الثلاثين من احتلال شقيقها العربي العراقي عام 1990، تستذكر الكويت تضحيات شعبها الذي لم يسجل التاريخ وقفة لشعب في وجه محتل مثلما سجله الكويتيون، وتكرر الكويت اعتزازها بالنصرة الخليجية والعربية التي قادتها المملكة العربية السعودية بقيادة الملك الراحل فهد بن عبد العزيز، كما تعتز بموقف أصدقائها وبالموقف الدولي الفريد الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية الصديقة لمناصرة الحق الكويتي واستعادتها الحرية.

هي الكويت التي شعرت بمسؤولية ثرائها منذ استقلالها عام 1961 تجاه أشقائها العرب وتجاه دول العالم النامي كواجب بلا منة أو تقتير، هي الكويت التي كانت ولا تزال حمامة سلام بين الأشقاء والأصدقاء الفرقاء، فعلى أرضها عقد أول لقاء بين الفرقاء اليمنيين لإنهاء مأساة الاقتتال بينهم، وعلى أرضها عقد مؤتمر المانحين للشعب السوري المنكوب، وبحضنها نُظّم اللقاء الدولي الأول لإعادة إعمار العراق متسامية فوق جراح الماضي، ومتجاوزة آلام الاحتلال تطلعاً لمستقبل سلام وتنمية وعلاقات أخوة حقيقية، وبين ذراعيها الحانيين وبجهودها المباركة جرت المصالحة الخليجية التي تحملت الكثير من أجل تحقيقها، وما زالت تعمل جاهدة على إنهاء القطيعة الخليجية- الخليجية، ففي وقت كتابة هذا المقال يجتمع على أرض الكويت وفد مصري مع آخر قطري، ووفد إماراتي مع قطري، وقريباً سيلتقي وفد بحريني مع وفد قطري لإنهاء الخلافات بالبيت الخليجي مدركة أهمية ذلك لأمنها وأمن المنطقة الاستراتيجي، كيف لا وهي التي وجدت في دول الخليج ملاذاً لها أيام محنتها قبل ثلاثين عاماً، ولقيت خير نصير في مصر العروبة التي كان لموقفها الصارم برفض العدوان على الكويت أثراً بالغاً كبيراً في استعادتها وتحريرها.

هي الكويت معين العطاء الذي لا ينضب، وشمس النور الذي لا يحجب، وناصر المظلوم من بني يعرب. هي الكويت التي شكلت أرضية للقاء الأشقاء والأصدقاء، وبنك المصالحات ودائرة المفاوضات، هي الكويت التي أصبحت بخبرتها برصف ساحات الالتقاء ثروة عربية قومية نادرة في وقت يقتل العربي أخاه، ويغدر الشقيق بشقيقه، وتتكاثر فيه المؤامرات وتتقلب فيه القلوب والأبصار.

لقد أصبح التراث الكويتي في الوفاق والتوفيق، ثروة قومية هائلة ملك للعرب جميعاً لا يمكن أن تقدر بثمن، فهي تفوق بقيمتها أسعار الذهب والبترول والعملات الصعبة والبيتكوين، وهي مكانة تفخر بها على رغم ما قاسته وتقاسيه للعب هذا الدور الفريد، دور الوسيط ورسول التصالح والسلام، وهو الدور الذي يعد اللقاح الناجع في زمن كورونا العربية المهلكة التي قضت على الزرع والضرع، وأكلت الأخضر واليابس بخلافات عربية- عربية أشبه ما تكون بالسرمدية.

تمر ذكرى الاستقلال والتحرير في الكويت والبلد يعاني مشكلات محلية ليست خافية على متابع، هناك معضلات في الإدارة السياسية، فلا حكومة ولا برلمان، وأنين من فساد يزكم الأنوف، وملفات مصالحة داخلية ملحة طال أمد انتظارها، وتسويف بإقرار حقوق البدون، وقوانين غير دستورية تحد من الحريات التي تميزت بها الكويت، وغيرها الكثير.

لكن الكويتيين مهما علا صوتهم بانتقاد أوضاعهم النابع من حبهم لبلدهم وتمسكهم بثوابتهم الوطنية والدستورية، يتنسّمون هذه الأيام نفحة تفاؤل بما شاعت تسميته بـ"العهد الجديد" الذي يقوده أمير فريد، عرف بتواضع الكبار، وبنزاهة العفيف، وحنو الأب المحب لكل أبنائه من دون تفرقة أو تمييز. يرى الكويتيون أن أميرهم الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح متمسك بالدستور، كاره للفساد والمفسدين، متسامح تسامح القادرين، ومحب للكويت وأهلها من دون حدود.

يلحظ المتابع لوسائل التواصل الاجتماعي أن الأعياد الوطنية الكويتية تحظى بسيل هائل من التبريكات للكويت وأهلها من الخليج والدول العربية عامة، بل وحتى دول العالم الصديقة، وما ذلك إلا انعكاس للدور الإنساني والتوفيقي والتنموي المسالم الذي لعبته طوال تاريخها، وهو اعتراف محمود بأهمية دورها المتميز في لملمة الخلافات، وتوحيد الصفوف قدر الإمكان، الأمر الذي يدركه كل كويتي بفخر واعتزاز. فحيوا الكويت بعيدها الوطنيّا.