«ليس هناك فنان يرضى عن أعماله القديمة -إلا فيما ندر- ولست من هذه الندرة، أنا راضية عن هذه السلسلة ضمن الإطار الزمني الذي كُتِبتْ فيه. لحظة كتبتها كنت بإخلاص أشعر بأنه ليس بوسعي أفضل مما كتبت.»

(غادة السمان)


من أبجدية الكتابة الإبداعية الأولية التي تكون بمثابة الخطوة الأولى التي تتبعها خطوات، أن تكون الكتابة تحت ظلال مؤثرات امتصت من آخر «يبدأ الأديب محاكيا لرمزه وهذا بدوره يفضي إلى التأثر بالحياة تلقائيا» وبعد ذلك عندما يتحول إلى الحياة فإنه لا بد من أن يمر بمراحل تغيير إلى الأفضل بشكل مستمر، وهذا التغيير لا يأتي اعتباطا وإنما هو حصيلة جهود توفرت لمساندة التجربة لكي تكون ذات استقلال بسبب التراكم المعرفي الذي يقود إلى الاستنباط والاستظهار لماهية الحياة لمكنوناتها المختبئة خلف علامات يتوهم أنها سوداء عند البعض، ولكنها في حقيقة الأمر محتجبة عن عيون وإدراكات قاصرة، حيث لا ترى إلاّ السطوح والقشور.. يضنيها ويرهقها الغوص إلى الأعماق لاستكناه الأمور ولكنها وبغية (الشهرة) تتوجه حسب القدرات الهشة إلى الاستعانة بالمتقدم في التجربة ومحاولة تقليده وراء الغمام بواسطة علامات السطوع التي تكون بمثابة الزحف القسري خلفها والتشبه بها محاولة التماهي معها، وربما الأخذ من نبعها الأصل تحت تأثير الانبهار الذي كان عند صاحب الخطوة الأولى ثم يكون الدور الانتقالي بفعل الزمن واتساع الإطار المعرفي المتأتي اكتسابا، وتتراكم حلقات العمر الزمني مما حتم التراكم في العمر العقلي الذي يدفع إلى البحث عن الخصوصية بدافع ذاتي يحتمه الواقع، وتدعو إليه الحاجة لكي تبدأ المرحلة (الخاصة).

تبدأ الخصوصية بعد المحاولات التي تبذل بجهد لتأكيد الذات ويكون التحدي الذي قد يقود إلى مسح ما كان ومعاداته ووسمه بالسطحية والرومنسية، حيث إن الواقع كما يتصور طيعا له وأنه يتشكل معه بعطاءاته، فإذا كانت هناك تصويبات فإن أخطاءه فادحة قد تنتج وتكون بمثابة الحراشف والنتوءات في الطريق، فيكون اللجوء إلى الوقوف عند محاولة التبدل، ثم يكون الرمي والقذف بالعبارات المرصعة التي تخلب بالبريق، فهي سراب بحيث لا تخضع للمعاينة والوقوف عن قرب، إذ تتلاشى توا ولكن هناك من يساعد على أخذ لقطات على البعد بسذاجة ودون إدراك، ويظن أن تلك المناظر حقيقية، مما يزيد في نفخ الوهم لدى المحاول حيث يأتي بالمقاييس التي تمثل له في مسيرته الكتابية الخطوط الرئيسة؛ لأن ناقدا استعمل من المصطلحات الكثير في دراساته النقدية، فحفظها منه عن ظهر قلب دون إدراك معانيها وكيفية مواضع استخدامها كروافد تدعم ما يريد أن يذهب إليه، فالقصة (ق.ق.ج) هي أجمل وأكمل فنيا من القصة القصيرة المتعارف عليها عالميا من تشيكوف، موبسان، يوسف إدريس، يحيى الطاهر عبدالله، زكريا تامر، وغيرهم ممن أبدعوا في كتابة الروائع القصصية على مدى الزمن.

من أين جاء بهذا الحكم؟ من القراءات المغشوشة المتبادلة بين المماثلين، ويستمر في بنائه عليها لأنه يتوهم أنه القادم دون أن يعرف ما القادم لأن الكثيرين يرون ذلك، من الكثيرون؟ بالطبع هم المشابهين ممن يرون أن الفن الأدبي بتراكم الأجيال حيث كل جيل يلغي ما قبله، وتجده يتحدث عن رامبو، وكافكا اللذين سبقاه بقرن أو يزيد بفخر وكأنهما من جيله، ويستمر التمادي الذي هو في الوقع لم يتخطَ الذات التي تدور حول نفسها، فالإضافة إلى المنجز الثقافي هي في العدم؛ لأن التنظير يتغلب على العطاء، وسبب ذلك ذوبان الخصوصية التي تميز المبدع، بيد أن ناقدا مشى بخطوات محسوبة تمثل تدرجه وملاحقته للحركة الأدبية كتابيا من أجيالها القديمة إلى الحالي له خصوصيته التي عرفت في كتبه ومساره النقدي هو د. صلاح فضل عندما رسم صورة عن الشاعر الراحل محمود درويش الذي كان المثال للشاعر المتطور كانت إشارته: «إبدالات أسلوب درويش الشعري لا تتمثل في تغيير ألوانه واختلاف طرائقه في التعبير عن كل مرحلة من تطوره بقدر ما تظل أقرب إلى تحولات الوجه الواحد من الطفولة إلى الشباب ثم انقلابه عند النضج والكهولة بحيث بصماتها على محياه وشاهدته عند الشيخوخة، إن كان الشعر يشيخ، رأيت الطفل في الرجل، وأدركت كم تغير عندما اكتهل، وظل هو في الوقت نفسه دون قطيعة صارخة، وبهذا يحق لنا أن نقول إن التاريخ الداخلي للشاعر يقترب بشكل حميم من تجليات أسلوبه، بحيث لا تحترق مراحل الإبداع، ولا تتبدل الحلقة الأولى بقدر ما ينوشها من غضون عميقة وخطوط مكتسبة، وإذا كان هذا يصدق على الشعراء بنسب متفاوتة.. تحولات درويش تكاد تختزل تحولات الشعر المعاصر كله «ويسهب الناقد د . صلاح فضل على حضور الخصوصية في المنتج بتعداد الركائز الأساس التي تجعل من المبدع متواصلا مع ماضيه، وبحيث يمثل حاضره الذي يستشرف القادم، دون أن يقطعه بما يوحي بأن الحاضر الإبداعي يجب ما سبقه، فحلقات الإبداع متواصلة ودالة على خصوصية كل مبدع التي كونها في مسيرته من البداية بالمكتسبات المعرفية.

1 د يوسف ادريس

2 د. صلاح فضل

3 زكريا ثامر

4 محمود درويش

5 فراتنز كا فكا