«الفلسفة تأتي في الصباح، أما العلم فيأتي في المساء»، عبارة جميلة وعميقة سمعتها على لسان أستاذ الفلسفة المغربي عزيز حدادي، في حلقة استضافها منتدى «جنان أركانة» الافتراضي، قبل شهور، بإدارة الأديبة دليلة حياوي.
كانت الحلقة مخصصة لأهمية ودور الفلسفة في حياتنا، نحن معشر البشر، وأراد حدادي، من خلال عبارته أعلاه، القول إن الفلسفة سابقة على العلم، لا تقليلاً من أهمية هذا الأخير بأي حال، وإنما التأكيد على أن العلم، الذي «أتى في المساء»، اشتغل بالأسئلة التي أثارتها الفلسفة، حتى قبل فلاسفة الإغريق القدامى الأكثر شهرة في تاريخ الفلسفة، ونعني بهم فلاسفة الأمم الشرقية في الصين والهند مثلاً.
قال حدادي عبارة أخرى لافتة في الحلقة نفسها: «من أراد أن يكون سعيداً، فعليه أن يتفلسف». دعونا من الانطباع السريع الذي سيخطر على بالكم حين تسمعون أو تقرأون هذه العبارة، خاصة بالنظر إلى الدلالة السلبية لمفردة «تفلسف»، التي باتت تعني في اليومي من حديثنا الحذلقة والادعاء وما إلى ذلك، حتى أنها أُخرجت من سياقها المعرفي، لتصبح مفردة هجاء ونميمة، ولنذهب إلى المعنى الأعمق للعبارة، التي تعني أن غاية ما اشتغلت عليه الفلسفة وأهلها إنما هو بلوغ سعادة البشر.
استعدتُ هذا بعد مشاهدة تقرير على قناة «آر. تي» عن معرض فني أقيم مؤخراً في موسكو حمل العنوان، اللافت بدوره: «هذا ليس كتاباً»، لديمتري بوكوف، وهو بالإضافة لكونه جامع تحف وأعمال فنية، فإنه، مثل عزيز حدادي، أستاذ جامعي في الفلسفة، ما مكّنه من الوقوف على تخوم عالمين ثريين وعظيمين: الفن والفلسفة. ويحتوي المعرض لوحات وتحفاً فنية تشرح، وفق مبدعيها، الأطروحات الفلسفية، بالنظر إلى أنه كانت هناك، وعلى الدوام علاقة بين الفنان والفيلسوف.
إذا كانت الفلسفة تأتي في الصباح والعلم يأتي في المساء، فمتى يأتي الفن إذن؟ لعلنا نجد الإجابة لدى الشاعرة والكاتبة، والخبيرة في النقد الأدبي أيضاً، والحائزة مرتين على جائزة «بوكر» العالمية للآداب، الكندية مارجريت آتوود التي ترى أن الفن يسري في شرايين كل الناس بالفطرة، ويتجلى ذلك في سلوك الأطفال وهم يسعون للتعبير عن أنفسهم، وقد يتجلى أيضاً في أداء الناس العاديين وهم يؤدون حرفهم، لكن ما يميّز الفنانين، والأدباء من ضمنهم، هو أنهم يمارسون إبداعهم بعلانية، ويكرّسون حيواتهم له؛ لذلك يصبحون معروفين.
ألا يحمل كل هذا أهالي «المدن العمياء» على أن يفطنوا إلى أن في ثلاثي: الفلسفة، الفن، العلم، باب النجاة وطريقها؟