أثار حوار الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي الأخير جدلا واسعا لاسيما فيما يتعلق بحديثه عن الأحاديث النبوية.

وقال الأمير محمد بن سلمان، أنه لا ينبغي أن تتم عقوبة شرعية بدون نص قرآني واضح على أن يتم تطبيقها في هذه الحالة – أي إن وجد نص واضح - كما طبقها الرسول عليه السلام وأشار هنا إلى طريقة تطبيق تعتمد على الرحمة والمغفرة قبل محاولة تنفيذ عقوبة على الإنسان.

وأشار أيضاً إلى أنه ملتزم أساساً بالأحاديث المتواترة (التي رواها جماعة عن جماعة بدون انقطاع) وليس بأحاديث الخبر أو الآحاد (التي تم روايتها عن طريق أفراد).

وأضاف ولي العهد السعودي أنه عندما يأتي شخص ليطبق عقوبة بحجة أنها عقوبة شرعية وهي لا يوجد لها نصاً واضحاً في القرآن أو في الحديث المتواتر يعد تزييفا للشريعة.

وبدون مبالغة أستطيع أن أقول إن ما قاله الأمير محمد بن سلمان يعد من عدة زوايا أهم خطوة تم اتخاذها في تاريخ الإسلام الحديث.

فالأخذ بالحديث المتواتر الذي تم روايته بأعداد كبيرة من البشر لأعداد كبيرة أيضاً وعدم الأخذ بأحايث الآحاد التي تمت من خلال روايات لأفراد يعني ببساطة رفض لأمور كثيرة جاءت أساساً من خلال أحاديث الآحاد. ومن هذه الأمور قتل المرتد ورجم الزناة المحصنين وإجبار الناس على أداء شعائر الدين مثل الصلاة والصوم في رمضان وعقوبة شارب الخمر وقتل المثليين وختان الإناث والحجاب وغيرها من الأمور التي يظن البعض أنها "معلوم من الدين بالضرورة"! فكل هذه المفاهيم هي أمور لم ترد ولو مرة واحدة في القرآن الكريم بنص واضح وجاءتنا فقط من خلال أحاديث "آحاد" وليس من خلال أحاديث متواترة.

وحينما نتكلم عن "الأحاديث المتواترة" فعلينا أن نذكر أن العلامة الإسلامي ابن الصلاح وهو واحد من أجلّ وأكبر علماء الحديث اعتبر أن الأحاديث المتواترة لفظياً هي حديث واحد فقط لا غير ألا وهو " من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار". وحتى هذا الحديث فقد شكك الإمام النووي في اعتباره متواتر لفظياً لأن روايته تمت بألفاظ مختلفة مثل ذكر كلمة "متعمداً" في بعض رواياته وعدم ذكرها في روايات أخرى. وبناء على ذلك فقد اعتبره الإمام النووي متواتر “معنوياً" فقط وليس متواتر "لفظياً".

ومما يؤيد ما قاله ابن الصلاح أن شروط التواتر عند ابن حجر العسقلاني وهو أحد أهم وأكبر علماء الدين في التاريخ الإسلامي ومؤلف الكتاب المعروف "فتح الباري على شرح صحيح البخاري" هي شروط لا يرقى إليها أي حديث تم روايته عن الرسول في كتب الحديث.

ولذا فتبعاً لرأي هؤلاء العلماء فإن ما قاله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يعد إظهاراً لحقائق الدين التي تم طمسها عبر القرون - وليس ابتداعا من عنده.

ولا ينبغي وسط هذا الحديث أن نغفل عن صعوبة مواجهة هذا الأمر الحساس في أمور الدين واحتياجه لحنكة سياسية تفوق التصور لعرضه أمام الجماهير.

والحقيقة أن الأمير محمد بن سلمان كان أكثر من رائع في مواجهة هذا الأمر وفي دعوته بوضوح لوضع مفاهيم جديدة للإسلام تتناسب مع العصر وتتبنى مبدأ المغفرة وتظهر روح القرآن.

فباختصار شديد وبعد صراع مرير لعدة عقود مع رجال دين لا يريدون إحداث أي تغيير في المفاهيم الدينية التي تتناقض مع القرآن ومع روح الدين ومع احتياجات العصر جاءنا محمد بن سلمان ليوضح منهجاً رائعاً لفهم الإسلام بصورة قد تغير التاريخ وتفتح صفحة جديدة لحوار الحضارات وتعرض مفهوماً للإسلام قادراً – إن اتبعه العالم الإسلامي- أن ينهي ظاهرة الكراهية للإسلام أو ما يسمى بالإسلاموفوبيا.

شكراً محمد بن سلمان على خطوتك التاريخية التي رسمت بها مستقبل أفضل للإسلام وللعالم.

وللحديث بقية.