إن توافر المزيد من المعلومات وسبل التواصل لما يقع خلف العلاقات غير المادية الراهنة للإنتاج، يعني المزيد من الإنتاجية وتسارع معدلات النمو، في المقابل تمثل مفاهيم مثل السرية والانعزال عقبات في التواصل ليس لها حدود، وهي المفاهيم التي أصبح من الضروري تفكيكها بالشفافية.

في هذا الإطار يواجه السودان تحديات اقتصادية يتطلب التصدي لها بشفافية، وجود رؤية مجتمعية شاملة، يتم التّوافق عليها وتوائم في نفس الوقت فيما بين معطيات الاقتصاد السوداني وخصائصه الرئيسية من ناحية ومن بين متطلبات تنميته واستحقاقاته الآنية والمستقبلية من ناحية أخرى، باعتباره اقتصاد تنمية بالدرجة الأولى، تتحدد فيها طبيعة العلاقة بينه وبين الدول الشقيقة والصديقة.

لقد برزت الصورة الأخلاقية للمال بشكل واضح في الدعم الإنساني الذي قدمته العديد من البلدان الشقيقة والصديقة للسودان عقب مؤتمر برلين للمانحين في يونيو 2020، ولكن المؤلم أن هذه الأموال ذابت وأصابها صمت القبور، فإلى أي مدى سيرتقي الذاهبون إلى مؤتمر باريس الذي سيعقد في الـ17 من مايو الجاري، إلى نهج النضج الشفاف في هذا المطاف؟

وفي هذا السياق لمَ لا يدشن مؤتمر اقتصادي سوداني بحت بمساهمة من الاقتصاديين السودانيين من الأكاديميين ورجال الأعمال ورجال الدولة ومؤسسات المجتمع المدني في تطوير مبادئ أساسية يمكن طرحها على الرأي العام بكافة مؤسساته لتكوين رؤية تنطلق من ثوابت المجتمع السوداني وظروفه الاقتصادية وشروط تطوره ونهوضه؟

وربما امتداداً لمؤتمر فرص الاستثمار الأمريكي الأول، الذي عقده الاتحاد الأمريكي الدولي للتعليم، وكان السودان من أهم الدول التي ركز عليها المؤتمر وانعكس ذلك بوضوح في التطورات المتلاحقة التي أتت ثمارها، زيارة وفد مجلس الشيوخ الأمريكي إلى الخرطوم لترجمة تلك الرغبة العارمة بين البلدين للتقارب مع العلاقات الجيدة وبناء جسور العلاقات، المجال الاقتصادي والاستثماري، وقد جاء طرح إشكالية هوية الاقتصاد في ضوء خصائص الاقتصاد السوداني، وفي مقدمتها تنوع الموارد والاعتماد على الريع، ووضع المبادئ الأساسية لرؤية اقتصادية متكاملة حول مستقبل اقتصاد البلاد، وخلق وعي اقتصادي قائم على تعزيز ثقافة الإنتاج التي حتماً ستؤدي إلى محاربة الفساد وترسيخ مفهوم المنتج الوطني كعنصر داعم للنمو والتنوع.

وفي ضوء ذلك يجب أن يصحب مؤتمر باريس كل هذه الموضوعات، في سياق الحراك السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي الذي يشهده السودان، وذلك ضمن تشكيل هوية الاقتصاد المحلي، ودور الدولة في الفصل بين ضرورات الاقتصاد وخيارات السياسة، بإعمال الشراكات الاستراتيجية المحلية والدولية، في إطار الحرية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.