المناسبات الجميلة تمثل فرصا جيدة لاسترجاع الذكريات الجميلة، حتى إن مضت عليها عقود، وذلك لما للمناسبات من طعم، ورائحة معنوية يفوقان ما قدم في المناسبة من طعام، وشراب، وروائح تتطاير في سمائها. للأعياد كما للمناسبات الخاصة لذة لا يعادلها لذة أخرى، لأن الأعياد يفرح بها الجميع، ويشارك بها الكبار، والصغار لما فيها من بهجة، وسرور يشعر بهما الجميع، إلا حالات استثنائية صادف فقدها لعزيز في ذلك اليوم، أو حادث، وأمر طارئ أفسد المناسبة لكن في نطاق فرد، أو أسرة، ومع ذلك تجد أن المصابين يتحاملون على جراحهم، ويظهرون أنفسهم فرحين لمشاركتهم الآخرين في مناسبة العيد التي لا يمكن تأجيلها لوقت آخر.
عند زيارة المرضى، وكبار السن، أو أهل الفقيد في بيوتهم، أو في المستشفى يوم العيد لمعايدتهم تلمس فيهم المحاولة الجادة للظهور بمظهر الفرح، رغم الألم، ومرارة المصاب، وذلك من خلال الابتسامة، وتبادل التهاني، والكرم، والملابس الجميلة، كل ذلك بهدف إبقاء روح المناسبة الجميلة قائمة، وعدم إفسادها على الآخرين، وبمناسبة عيد الفطر المبارك أتذكر حين أزور بعض المرضى المصابين بأمراض مزمنة، أو كبار السن المقعدين، مع ما يصاحب ذلك من عجز، وأوجاع حرصهم الشديد على إشعار الزائر بفرحهم بالمناسبة، وذلك سعيا منهم لعدم تعكير صفو المناسبة، إذ لا يتشكون، ولا يصدر عنهم ما يدل على الألم، أو التذمر، بل أجدهم يشكرون الله، وأنهم بأتم صحة، وعافية، وأنه ما منعهم عن صلاة العيد، أو الحضور إلى محفل العيد إلا أنهم تأخروا، أو أن السيارة تعطلت فجأة، أو هكذا أعذار.
في الغربة أيام الابتعاث كان للعيد طعم خاص يكسر فيه المبتعثون شعور الغربة، وعناء الدراسة، فتجمع المسلمين باختلاف جنسياتهم، وألوانهم، وملابسهم، وتنوع أطباقهم يشعر بالدفء، وسرور لا حدود له رغم البعد عن الأهل، والوطن، والأحباب، بل إن التجمع في حد ذاته يشبه التفاف العائلة حول نفسها.
يا لها من نفوس سامية، طيبة تتجاوز ذاتها، وما بها من ألم، ومصاب شديد، وترتقي لإسعاد الآخر، هذه النفوس نتيجة تربية حالت دون أن يتحول الألم إلى سبب في إفقاد الآخرين حلاوة المناسبة، وذلك بالتجبر، والتصبر، وجعل فرح الآخرين من أقارب وجيران فرحا لهم، وذلك بإنكار ما بهم، مع أن الواحد منهم لا يستطيع القيام، والمشي، ولا قضاء حاجته بنفسه. من الصور العالقة بالذهن مريض مستلق على سريره طول الوقت، لا يتحرك منه حتى لقضاء الحاجة، وآخر لا يستطيع رفع ظهره إلا بالتمسك بحبل مربوط بحلقة مثبتة بالجدار، ومع ذلك ترى البشاشة، والترحيب، والسرور، كأنهم حضروا مناسبة العيد، وشاركوا فيها جموع الناس.
كلما تأتي الأعياد أتذكر هذه الفئات، وأقارنهم بآخرين يحولون مناسبات الفرح، والسرور، والأعياد كالمأتم، لكثرة تذمرهم، وسخطهم، وجزعهم لمجرد أنه مصاب بإنفلونزا، أو صداع، أو ما شابه من عوارض صحية بسيطة تمر على الناس في الظروف كافة.
تساءلت عن سبب الفرق بين الفئتين، وبلا شك السبب التربية فئة صابرة محتسبة، تربت على الإيثار، والتخلي عن الأنانية لتسعد وتفرح بفرح الآخر، أما الفئة الأخرى، فالأنانية المفرطة، وحب الذات الجائر حولها إلى سبب إفساد المناسبة بتذمرها، وتململها، ومشاعرها السوداوية التي تتناسى مناسبات الفرح التي مرت بها، وعاشتها من قبل، كما أن الإيمان العميق أن مصابها لا يحول دون شعورها بفرحة العيد مهما كانت الظروف يجعلها في هذه الحالة السعيدة، المستبشرة بالشفاء، وتجاوز الظرف مهما كان قاسيا.
تعذر حضور صلاة العيد، أو محفله للمرضى، وكبار السن يوجب على الأهل، والأقارب عدم تركهم يعيشون المناسبة وحدهم، إنما الواجب جعلهم في قلب المناسبة يتلذذون بها، حتى لو كان الواحد منهم على فراش المرض، وحبيس المنزل، فإحاطتهم بأجواء الفرح يخفف من آلامهم خاصة عندما يسمعون كلمات التهاني، والتبريكات، ويرون الابتسامات، ومظاهر الفرح من لباس، وألعاب يتسلى بها الصغار. لعل هذه المناسبة وغيرها تجعلنا أقرب لبعض خاصة من هم بحاجة إلى قربنا ومشاعرنا الإيجابية، وبمناسبة العيد أسأل الله للجميع الفرح والسرور والسعادة في كل الظروف، وعيد سعيد مبارك، وتقبل الله من الجميع.