قبل ساعات قليلة من انتهاء شركاء «تحالف التغيير» في «إسرائيل» من اجتماعهم ظهر الثلاثاء الماضي لوضع لمساتهم الأخيرة على معالم الحكومة التي أطاحت حكم بنيامين نتنياهو الذي استمر 12 عاماً متصلة منذ عام 2009، كشف بيني جانتس وزير الدفاع «الإسرائيلي» في حكومة نتنياهو زعيم حزب «أزرق- أبيض» المشارك في «تحالف التغيير» عن استدعائه سريعاً من جانب الإدارة الأمريكية للبحث في التصريحات «المخيفة» التي أعلنها نتنياهو يوم الاثنين وهدد فيها بتدمير المنشآت النووية الإيرانية حتى لو كان ذلك ضد إرادة الولايات المتحدة.

جانتس عارض هذه التصريحات وأكد أولوية العلاقة بين «إسرائيل» والولايات المتحدة كحليف استراتيجي وداعم للقدرات «الإسرائيلية»، وانتقد تصريحات نتنياهو تلك وقال إن أية خلافات مع الولايات المتحدة «يجب أن تتم في الغرف المغلقة وليس على الملأ».

اللافت أن تصريحات نتنياهو تلك استقبلت من جانب كثير من «الإسرائيليين» باستخفاف وخاصة من جانب شركاء «تحالف التغيير» الذين رأوا أنها لا تلقى قبولاً لدى العسكريين والأجهزة الأمنية «الإسرائيلية»، باعتبارها تصريحات دعائية وغير جادة وكل هدفها هو عرقلة تشكيل الحكومة الجديدة، وإظهار نفسه الشخص الوحيد القادر على تحقيق الأمن لإسرائيل.

كان نتنياهو قد أدلى بتصريحات خلال مراسم تبديل رئيس جهاز المخابرات «الموساد» التي أقيمت يوم الاثنين الفائت قال فيها إنه أبلغ الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن حكومته «ستواصل العمل لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي حتى لو تم التوصل إلى اتفاق معها». وأضاف «إذا اضطررنا إلى الاختيار، وآمل أن هذا لن يحدث، بين الاحتكاك مع صديقتنا الكبيرة الولايات المتحدة، وبين إزالة التهديد الوجودي (الإيراني) فإن إزالة التهديد الوجودي تتغلب».

استدعاء الولايات المتحدة لجانتس توحي بأن واشنطن، التي تتابع جهود الإطاحة بحكومة نتنياهو، لم تعد على ثقة بأن شخص نتنياهو مازال مؤهلاً للبقاء في منصبه، وأنها أضحت أقرب إلى دعم معسكر التغيير في «إسرائيل»، وهذا بدوره ربما يصبح قوة دافعة لشركاء هذا المعسكر لتجاوز خلافاتهم لتسريع تشكيل الحكومة وبدء مسيرة تغيير وإصلاح أضحت ضرورية في إسرائيل.

هكذا يمكننا القول إن ما كان يأمله نتنياهو من تلك التصريحات يمكن أن تدعمه سياسياً وتعيد تمكنه مجدداً من تشكيل الحكومة والبقاء في منصبه، قد جاءت بنتائج عكسية، خصوصاً بعد أن أظهرت واشنطن رفضها وتخوفها من أن يقوم نتنياهو هذه الأيام بتهور غير محسوب ضد إيران لا تريده واشنطن.

حسابات نتنياهو الخاطئة الأيام الماضية جاءت بنتائج عكسية تماماً. فقد فعل نتنياهو، كل ما يمكن عمله، لمنع غريمه نفتالي بينيت اليميني المتطرف من الانضمام إلى حكومة يصفها نتنياهو بأنها «حكومة يسار» مع يائير لبيد زعيم حزب «هناك مستقبل» (يش عتيد) المكلف رسمياً بتشكيل الحكومة الجديدة. الضغوط وصلت إلى مستوى التهديدات لدرجة إعلان جهاز الأمن العام (الشاباك)، أن لديه تقديرات بشأن مخاطر تتهدد حياة عدد من الشخصيات العامة التي تعد جزءاً أساسياً من «كتلة التغيير» الساعية للإطاحة بحكم نتنياهو وحزب الليكود، خصوصاً كل من بينيت زعيم حزب «يمينا» المنشق عن تكتل اليمين الحاكم الآن، ونائبته وزيرة العدل السابقة إيليت شاكير، فضلاً عن لبيد زعيم حزب «هناك مستقبل» المكلف بتشكيل الحكومة.

تحريضات نتنياهو المباشرة ضد شخص بينيت الذي يعتقد نتنياهو أنه «غدر به» بانشقاقه عن تيار اليمين وانضمامه إلى اليسار ليحقق طموحه الشخصي بأن يكون رئيساً للحكومة، حفزت أفيجدور ليبرمان وزير الدفاع الأسبق، زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» والمشارك حالياً في «تكتل التغيير» لاتهام نتنياهو بأنه «فقد استقراره العقلي»، وأنه «لم يعد من الواضح بأنه يتمتع بصحة عقلية مئة في المئة» وزاد على ذلك بالقول: «لم أعد متأكداً من أنه لائق للعمل كرئيس للوزراء».

مساعي نتنياهو لإفشال جهود تشكيل الحكومة الجديدة تلقت ضربة أخيرة قبل ساعات من اكتمال جهود تشكيل تلك الحكومة على يد الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين الذي رفض الطعن القانوني الذي قدمه حزب الليكود بعدم أهلية بينيت رئاسة الحكومة الجديدة، نظراً لأن نص التكليف بتشكيلها يتركز على شخص لبيد وليس بينيت الذي توصل إلى اتفاق مع لبيد بتتابع رئاسة الحكومة على أن تكون البداية لرئاسة بينيت. فقد رد مكتب الرئيس أنه «لا يوجد سند قانوني لما ادعاه حزب ليكود، لأن لبيد سيؤدي اليمين كرئيس للوزراء بالتناوب».

ورغم أن مرحلة نتنياهو انتهت فعليا، إلا أن الحكومة الجديدة في حال تشكيلها ستبقى عاجزة بحكم مكوناتها عن تحقيق «التغيير» نظراً لتباين رؤى مكوناتها، وقد يبقى كل شيء على حاله مأزوماً.