لا يزال كثير من الناس في عالمنا الإسلامي يعيشون بمفاهيم وتقاليد بالية قديمة؛ لأن هذه المفاهيم والتقاليد والعادات تشبعوا بها منذ نعومة أظفارهم، حتى أن كثيراً من النساء أنفسهن نهلن وشربن من هذه الثقافة، حتى أصبحوا رجالاً ونساءً منقادين لها، محكومين بها، ومرتبطين بمفرداتها.
من حق كل إنسان أن يعيش قناعاته ومفاهيمه دون أن يفرض على غيره هذه المفاهيم، ودون أن يلبس هذه القناعات والعادات والتقاليد الذكورية القداسة الدينية، ليُخوف بها عباد الله، وهو يظن بذلك أنه يحسن صنعاً، وهو في حقيقة الأمر مفسد، ولكن لا يشعر؛ لان غمط حقوق الغير والتعدي على حقوقهم أكبر فساد.
لهذا عملت وزارة العدل في المملكة، تنفيذاً للتوجيهات السامية، على إصدار الأنظمة العدلية التي تُعيد وترجع للمرأة مجموعة كبيرة من الحقوق، وترسي الوعي العدلي وفق تطلعات ومرتكزات رؤية المملكة 2030.
والواقع إن هذه الأنظمة العدلية والإجراءات واللوائح لا ترقى ولا تصل لما جاء في الرؤية من أهداف وغايات، وما زلنا نصطدم ببعض الكوادر غير المؤهلة أو التي تعيش فترة ما قبل الرؤية، وتعمل بفكر ذكوري لا يحترم المرأة وحقوقها بما في ذلك حقها في تقرير مصيرها.
لا شك أن جهد وزارة العدل مشكور ومُقدر، فقد أنجزت العديد من الإنجازات الجبارة التي لم يكن يتوقع أحد أن تتم خلال فترة عشرين عاماً على الأقل، غير أن قدر المسؤولين اليوم أنهم يعملون تحت قيادة تصنع التاريخ وتجتاز بسرعة الضوء المسافات وتتخطى العوائق والعقبات.
إن هذه الإنجازات مثل، إقرار صندوق النفقة لتوفير الدعم اللازم للأم وأولادها خلال فترة التقاضي. تسليم المرأة نسخة من عقد النكاح. توظيف المرأة في خمسة مجالات (باحثة اجتماعية، باحثة شرعية، باحثة قانونية، مساعدة إدارية، ومطورة برامج أولى). ومنح المرأة رخصة التوثيق التي تمنحها صلاحيات بعض مهمات كتابات العدل، هي إنجازات غير كافية ولا تصل لتطلعات القيادة وما تصبو إليه من رفعة هذا الوطن، وصنع الحضارة والريادة وقيادة العالم الإسلامي، وجعل السعودية مثالاً يُحتذى به.
المطلوب إصدار أنظمة وقوانين تُعيد للمرأة حقها الطبيعي في ولاية نفسها، وتضمين ذلك في أنظمة الأحوال المدنية وغيرها من الأنظمة، فلا تحتاج لوصاية غيرها عليها. وحقها في الوصية في مشروع مدونة الأحوال الشخصية.
إن الأمر يتطلب حراك عديد من الوزارات والجهات الحكومية للتوعية والتدريب والتعليم. يجب أن تحتوي مناهج التعليم على هذه المفاهيم والقيم الأخلاقية. وكذلك وزارة الثقافة، وزارة الإعلام، وهيئة الإذاعة والتلفزيون.
نحتاج تثقيفاً وتوعية من كافة الوزارات والجهات الحكومية والمصالح كل حسب اختصاصه، فالتركة مُثقلة بالمفاهيم الذكورية التي تقف عقبة في سبيل حصول المرأة على حقوق أصيلة سُلبت منها والتاريخ شاهد على ذلك.
التعليقات