مع اقتراب انعقاد قمة الرئيسين الأميركي جو بايدن، والروسي فلاديمير بوتين المرتقبة الأربعاء المقبل في جنيف، يشتد التوتر السياسي، وترتفع حدة العقوبات الاقتصادية الأميركية، ويتسع إطارها ضد روسيا التي تهدد بالرد عليها عبر «فصل اقتصادها عن الدولار»، رغم اعترافها بأنه «لا غنى عنه» في التجارة الدولية، كونه يلعب دوراً مهماً على الصعيد العالمي، ومن المستحيل «الحياة من دونه»، لكنه يجعل روسيا في حالة أضعف إزاء العقوبات الأميركية.
وتنطلق موسكو في تهديدها من أن واشنطن تستخدم العملة الأميركية كسلاح ضد القطاعين المالي والصناعي الروسيين. وهي تلتقي بذلك مع سلسلة تقارير دولية وصفت الدولار بأنه عملة دولية تمنح أميركا نفوذاً مالياً وسياسياً كبيراً، وهو سلاح قاتل يمكن استخدامه في الحروب الاقتصادية، وقوة ضغط في المعارك العسكرية. ويبرز ذلك بشكل جلي في احتدام الحروب التجارية المتنوعة، وما يرافقها من حروب في أسعار صرف العملات الدولية.
وتختلف النظرة بين البلدين إلى نتائج تطبيق العقوبات؛ ففي حين يقلل المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف من تأثير مفعولها، مؤكداً أنها «لم ولن تحقق أهدافها»، يقول كبير مساعدي البيت الأبيض للشؤون الاقتصادية داليت سينج إنها «حققت حتى الآن نتائج قريبة للغاية مما كنا نأمله». ويرى الجانب الأميركي أن العقوبات تأتي «مقابل تصرفات حكومة روسيا وأجهزة استخباراتها ضد سيادة الولايات المتحدة ومصالحها».
وفي أبريل الماضي وقّع الرئيس بايدن مرسوماً يتيح معاقبة روسيا مجدداً بشكل يؤدي إلى «عواقب إستراتيجية واقتصادية،».

وإذا كانت عقوبات واشنطن تشمل تنفيذ تعليمات وزارة الخزانة التي تحظر على المؤسسات المالية الأميركية المشاركة في السوق الأولية المقومة بالروبل أوبغير الروبل، الصادرة عن مؤسسات مالية روسية، فإن رد موسكو كان التهديد بالتخلي عن استخدام الدولار في مختلف عملياتها المالية، خصوصاً في صندوق الثروة الوطني الروسي الذي تبلغ قيمة أصوله حالياً نحو 186 مليار دولار، ويتكون من العملة الأميركية بنسبة 35%، وبما يعادل 40 مليار دولار، تأتي من عائدات بيع النفط، مقابل 35% أيضاً باليورو. ومع التخلي عن الدولار تصبح الأصول موزعة بين 40% لليورو و30% لليوان الصيني و20% للذهب، و5% لكل من الجنيه الاسترليني والين الياباني.
ووفقاً لتطور العلاقات بين واشنطن وموسكو، فإن التخلي الروسي عن الدولار ليس خطوة جديدة، بل مسيرة طويلة بدأت عام 2010 بتقليص ملكية روسيا في سندات الخزانة الأميركية من 176 مليار دولار إلى 96 ملياراً عام 2014، واستمرت في التخلي عنها بشكل تدريجي لتصل 14 مليار دولار فقط في مايو 2018، ثم تقلصت إلى 4.9 مليار دولار نهاية العام الماضي. ومقابل ذلك اتجهت روسيا إلى شراء الذهب، وهي تمتلك حالياً ما قيمته 128.5 مليار دولار من المعدن الأصفر. ووفق أرقام البنك المركزي الروسي، فقد زادت حيازات روسيا من الذهب والعملات الأجنبية لتصل في أبريل الماضي إلى 589 مليار دولار، متجاوزةً المستوى المستهدف عند 500 مليار دولار.


*كاتب لبناني متخصص في القضايا الاقتصادية