مضى على بناء السور العظيم أكثر من 2000 عام، ويوصف بأنه واحدة من المعجزات البشرية، فهو، بالإضافة إلى كونه مشروعاً دفاعياً عسكرياً نادراً في التاريخ، فإن له قيمة معمارية أيضاً، لا بالنظر لضخامته فحسب، وإنما أيضاً لطبيعة المواد المختلفة التي استخدمت في بنائه. إنه، كما تقول المراجع، لا يظهر «ذكاء أسلاف الصينيين فحسب، بل يجسد جهداً بذلوا فيه العرق والدماء».

يمرّ السور بتضاريس معقدة، فهو لا يعبر الجبال فقط، وإنما يخترق الصحراء ويجتاز المروج ويقطع الأنهار أيضاً، ولذلك فإن الهياكل المعمارية للسور تختلف بين منطقة وأخرى. في المناطق الصحراوية بني بمواد مكوّنة من الأحجار ونوع خاص من الصفصاف نظراً لشح الصخور والطوب، وفي مناطق أخرى بني بالتراب المدكوك أو الطوب غير المحروق، لكنه متين وقوي لا يقل عن متانة السور المبني بالصخور والآجر.
سور الصين القديم لم يعد «عظيماً» بالضرورة، لعلّه اليوم مجرد مقصد سياحي، لذا فإن الرئيس الصيني شي جين بينج، وفي خطابه بمناسبة الذكرى المئة لتأسيس الحزب الشيوعي الحاكم تحدّث عن سور صيني آخر، حين قال بأن كل من يحاول التنمّر على الشعب الصيني أو قهره «سيجد نفسه في مسار تصادمي مع سور فولاذي عظيم قوامه أكثر من 1,4 مليار صيني».


أراد زعيم الصين أن يقول للغرب: هناك عالم جديد تشكّل. ولأن المناسبة مرور قرن بكامله على تأسيس الحزب الذي قاد البلاد، عبر منعطفات وصعوبات وتعقيدات كثيرة إلى ما هي عليه اليوم من قوة، فإنه لا بد أن يحضر إلى الذاكرة اسم مؤسس الصين الحديثة ماوتسي تونج، الذي يوصف شي جين بينج بأنه أقوى رئيس صيني بعده، هو الذي لم يكتف في خطابه بالتأكيد على أهمية إنجازات بلاده الاقتصادية، واحتوائها للفقر، ورفع مستوى معيشة شعبها، وإنما حرص أيضاً على أن يظهر لمنافسي الصين في الغرب بأن لبكين أنياباً أيضاً، لن تتردد عن استخدامها إن لزم الأمر.
وجّه بينج رسالته هذه في صيغة لا يمكن وصفها بالدبلوماسية، وإنما بالذكاء، حين قال: «الأمة الصينية لا تحمل سمات عدوانية في جيناتها، ولم نتنمّر أو نضطهد أو نقهر شعب أي بلد آخر مطلقاً، ولن نفعل ذلك أبداً»، وإن حزبها الحاكم «يهتم بمستقبل البشرية، ويرغب في المضي قدماً جنباً إلى جنب مع جميع القوى التقدمية في جميع أنحاء العالم»، ولكن ذلك لم يثنه عن إرسال رسالة، لعلّها الأوضح حتى الآن، عن أن بلاده لن تتردد في «سحق»، والتعبير له دلالته، أية قوة أجنبية تريد إخضاعها.