تعدّ نانسي كريس واحدة من أهم الكتّاب الذين أولوا عنايةً لبحث تقنيات الكتابة، حتى إنها وضعت كتاباً صدرت له ترجمة بالعربية حول الموضوع، فيما تضمن كتاب «تقنيّات الكتابة» الذي أعدّه المترجم رعد عبد الجليل، أكثر من شهادة للكاتبة نفسها.

في إحدى هذه الشهادات تفيدنا نانسي كريس بتعدّد الصعوبات التي تواجه الكاتب وهو يعكف على عمل ما، فقد يتعثر في الإمساك بالبداية، أو التوطئة أو المدخل، الذي يلج به عالم كتابه، وقد يتعثر في الخاتمة أو النهاية، فلا يعرف على أي سبيل يُنهي الكتاب، وما الخاتمة الملائمة التي تنسجم مع السياق الذي سار عليه عمله وهو يكتب الكتاب.
وقد يواجه الكاتب الصعوبة الأكبر في قطع المسافة بين البداية والخاتمة، اللتين قد يكون يملك تصوراً لهما وهو يشرع في كتابه، ولكن كيف له أن يصل بينهما، بين البداية والخاتمة، وبدا لي وأنا أقرأ فكرة نانسي كريس هذه أن الأمر أشبه بعبور المسافة بين ضفتي نهر، حين يعلم السابح من أين سيبدأ وأين سينتهي، لكنه ليس على يقين من أن عبوره المسافة بين الضفتين سيكون آمناً أو سلساً.
وبدا لي صحيحاً أيضاً القول إن ما بين البداية والنهاية ما يشبه البرزخ، مع أن الشرح الذي قرأته للمفردة حملني على شيء من التردد؛ ذلك أن البرزخ في اللغة العربية هو «الحاجز الفاصل بين شيئين مختلفين والمانع لاختلاطهما وامتزاجهما»، وهذا قد لا يتسق مع شرط الانسجام المطلوب في الكتابة، منذ بدايتها حتى نهايتها مروراً بالمسار الذي قطعته بينهما.
ولكن دعونا نقترح تأويلاً مجازياً للمفردة، فنشبه هذه المسافة المتعين قطعها بالبرزخ بما فيه من غموض وحيرة، فهذا يتسق مع قول نانسي كريس الذي صاغته على هيئة تساؤل: «كيف لي أن أعرف ما سيكون عليه الوضع وأنا أنتقل من أرض صلبة إلى أخرى صلبة أيضاً بمرور تلك الظلمة والتأوهات؟».
نصيحة ذات صلة بالموضوع أوردها كاتب آخر في شهادة تضمّنها الكتاب نفسه الذي أعدّه رعد عبدالجليل، والكاتب هو بيتر ليزشاك، وتتصل نصيحته بما يكون عليه الكاتب فترة انغماسه في العمل على كتاب جديد؛ حيث يصبح مسكوناً بالحيرة في ما إذا كان ما يكتب رديئاً أو جيداً، ففي حال طغى الشعور برداءة الكتابة فإن أفضل صديق له هو صندوق القمامة ليرمي فيه المسودات، هذا يوم كان الكتّاب يكتبون على الورق لا على شاشة الحاسوب.
وعلى سبيل الخلاصة ننقل عن الكاتب: «بمقدار ما تكون قاسياً على عملك يكون النقد الموجه إليه من الآخرين أقل».