إنها مجرد كرة قدم دائما تنتهي بخاسر، لكن هذا التبسيط لا ينهي الإحساس العميق بأهميتها الاجتماعية والسياسية.

كان هذا الانطباع حاضرا على مدى أيام في بريطانيا برمتها وليس في إنجلترا وحدها على مدار مباريات كأس أمم أوروبا، إلى درجة كان ينظر فيها إلى مدرب المنتخب غاريث ساوثغيت بأنه الأكثر أهمية وشعبية اليوم من تاريخ رئيس الوزراء الأسبق ونستون تشرشل. اختار البريطانيون أيقونتهم السياسية ليفضلوا عليها مدرب المنتخب الإنجليزي.

تلك حقيقة محسوسة تمثلها كرة القدم، مهما وجدنا من ذرائع تذهب إلى كونها مجرد لعبة لا أكثر. فتقبّل الخسارة لا ينهي الإحساس بحجمها.

كان البريطانيون يعوّلون على الفوز بكأس البطولة، إلى درجة أن الحكومة أقرت أن اليوم التالي سيكون عطلة رسمية في البلاد، غير أن الحلم انكسر بيد حارس مرمى المنتخب الإيطالي.

ويمكن أن يختصر تعبير ساوثغيت لخسارة نهائي البطولة، بأنه أشبه باقتلاع معدته من جسده، الألم الذي تتركه الهزيمة في كرة القدم. لكن الدرس هنا يجب ألا يغيب.

فهذا المدرب يمثل درسا بريطانيّا رائعا موحدا للأمة بعد أن كسب القلوب بتواضع يمكن أن يكون مثالا في المهارات التي يؤخذ بها في كل الأعمال وليس كرة القدم وحدها.

ساوثغيت قائد استطاع أن يوحّد الفريق في مهارات ينظر إليها اليوم كمثال سياسي ودبلوماسي في مجتمع بريطاني متعدد الإثنيات والأديان والألوان، وهذا يفسر لنا الإساءات العنصرية التي تعرض لها بوكايو ساكا وماركوس راشفورد وجادون سانشو بعد أن أهدروا فرص التسجيل خلال ضربات الجزاء، لكنها حوصرت بحزم مسؤول.

لم يكن ساوثغيت يعطي دروسا في كرة القدم وحدها، كان يفهم تأثير الحرب الثقافية داخل المجتمع البريطاني، وكان عليه أن يجتاز العنصرية تجاه بشرة اللاعبين، وعليه أن يخلق داخل الفريق مجتمعا متجانسا ومتماسكا من أجل أن يكون مثالا كرويا للمجتمع الأكبر.

لذلك عدّ ملهما في هذا الوقت إلى درجة كان تأثيره في التقريب بين إثنيات المجتمع البريطاني يُعادل بما تركه تشرشل كسياسي من سنوات الحرب وحتى السلم، وتلك لعمري مهمة تجعل من كرة القدم ليست مجرد لعبة تنتهي بالفوز أو الخسارة.

كان ينظر بإعجاب إلى ساوثغيت وهو يوصل الفريق إلى المباراة النهائية، ولم يتراجع هذا الإعجاب كثيرا عندما خسر الفريق، ولمجرد تحليل تصريحه بعد الهزيمة بأنه يتحمل مسؤولية اختيار اللاعبين لتنفيذ ضربات الجزاء الترجيحية. مؤكدا على أنه لا أحد يكون بمفرده في هذا الموقف. ونحن نفوز أو نخسر معا كفريق. يؤكد أن فكرة الفريق المتجانس طريق مثالي للوصول إلى مجتمع آمن من العنصرية.