في فيلم «سي عمر» الخالد الذي لا يمل منه المرء مهما أعاد مشاهدته، وهو من إنتاج عام 1941 وإخراج نيازي مصطفى وتمثيل نجيب الريحاني وميمي شكيب وزوزو شكيب وشرفنطح وعبدالعزيز أحمد وعبدالفتاح القصري وسراج منير واستيفان روستي وفؤاد الرشيدي يلعب بطل الفيلم نجيب الريحاني دورين في آن واحد هما: دور الباشكاتب الفقير جابر شهاب الدين سيئ الحظ، ودور الثري عمر الألفي المغترب منذ سنوات طويلة في الهند. ونرى في أحد مشاهد الفيلم إمرأة تـُـدعى عبلة تتحدث باللهجة اللبنانية وتدعي أنها زوجة الألفي، مكررة عبارة: «والله ما بدشرك» أي قسما لن أتركك.

جسدت دور هذه السيدة ممثلة لبنانية اسمها «فيوليت صيداوي» التي ولدت في لبنان عام 1890 ونشأت به في ظل أسرة فقيرة معدمة. وبسبب فقر عائلتها قررت في ثلاثينات القرن العشرين أن تغير حياتها بالهروب إلى القاهرة ممنية النفس بالشهرة والأمجاد الفنية والحياة الرغيدة، خصوصا وأنها كانت جميلة المحيا وتجيد الغناء والرقص. وبعد فترة من وصولها إلى مصر وتجرعها مصاعب السكن ونفقات المعيشة وأوجاع الوحدة والغربة، تمكنت من الحصول على عمل مع إحدى الفرق الفنية بشارع عماد الدين، وراحت تغني باللهجة الشامية في إحدى الصالات. وهناك صادف أن رآها نجيب الريحاني فضمها إلى فرقته المسرحية. كان هذا الحدث بمثابة نقطة تحول في حياتها، إذ حظيت بعده ببعض الشهرة، خصوصا بعدما أشركها الريحاني في التمثيل السينمائي. وفي هذه الأثناء تزوجت من أحد الإداريين بمسرح الريحاني بمباركة الريحاني، وسرعان ما افتتح الزوجان مكتبا خاصا للريجستير، استحصلا من ورائه أموالاً طائلة قاما باستثمارها في مشاريع تجارية، الأمر الذي حول فيوليت من إمرأة فقيرة إلى سيدة ثرية. زيجتها تلك أثمرت عن إبن وهبته كل حياتها ورعته ودللته حتى صار شابًا وسيمًا، فأدخلته الجامعة وانفقت عليه الأموال، رغم ما عرف عنها من بخل شديد. لكن المؤسف أن الإبن لم يحسن لوالدته ولم يرد لها الجميل، بل تخلى عنها في سنوات شيخوختها ومرضها وعجزها، منحازًا لرغائب زوجته المصرية التي تعرف عليها في الجامعة واقترن بها بمساعدة أمه التي وافقت أن تبني لهما منزلاً فاخرًا منفصلاً من حر مالها.

أصيبت فيوليت بمرض السل المعدي، وزادت حالتها سوءًا بسبب لامبالاة إبنها الذي رضخ لضغوط زوجته بالتخلص منها وابعادها عن بيت الزوجية خوفا من العدوى. وفي إحدى صور العقوق الأشد قتامة، قام الإبن بخديعة والدته عبر ايهامها بنقلها إلى مشفى خاص للعلاج، فإذا به ينقلها بسيارته إلى منطقة نائية موحشة، ملقيا بها هناك وهي تنزف دمًا، لتتوفى في غضون ساعات في إحدى أيام عام 1960.

فتح الشرطة تحقيقًا في طبيعة وأسباب الوفاة، فتوصلت إلى مسؤولية إبنها في وفاتها، فألقي القبض عليه وعوقب بالسجن لمدة 20 عامًا. وبعد خروجه من السجن ذهب يبحث عن زوجته التي تركها وهي حامل، فوجد أنها باعت منزل الزوجية وانتقلت للسكن في مكان آخر. وحينما استدل على عنوانها الجديد صار يذهب إليها كل يوم مهددًا ومتوعدًا، إلى خرج إليه ذات مرة شابًا قوي البنية واشتبك معه وضربه ضربا مبرحا أسال الدم من جوفه مثلما كان الدم يسيل من جوف أمه، ليتبين أن الشاب هو إبنه (حفيد فيوليت).

ظهرت فيوليت في ستة أفلام فقط. غير أن كل أدوارها كانت ثانوية وقصيرة، لعل أبرزها دور عبلة الذي أشرنا إليه.

وكثيرًا ما يتم الخلط بينها وبين زميلتها «فيكتوريا حبيقة» حيث أن الأخيرة ممثلة لبنانية أيضا وحلت بالقاهرة في نفس الفترة الزمنية وعملت في فرقة الريحاني المسرحية وانحصرت أدوارها السينمائية في المشاهد الثانوية القصيرة.

عدا عن فيلم «سي عمر» ظهرت فيوليت في فيلمها الأول (صاحب السعادة كشكش بيه /‏1931) من إخراج توليو كاريني وتمثيل نجيب الريحاني واستيفان روستي وحسين رياض ومختار عثمان وشرفنطح في دور إحدى السائحات اللواتي يأتين إلى قرية كفر البلاص بقيادة الدليل السياحي أبو الدبل (استيفان روستي) ويقتنعن بكلامه حول أن العمدة كشكش بيه (نجيب الريحاني) من سلالة الفراعنة وأن شعيرات لحيته تحمل بركات إلهية.

في عام 1938 قدمت فيوليت ثاني أفلامها وهو فيلم «بحبح باشا» من إخراج فؤادالجزايرلي وتمثيل فوزي الجزايرلي وإحسان جزايرلي وزينات صدقي ورياض القصبجي ومحمد الديب.

تلا هذا، فيلمها الثالث وهو فيلم سي عمر/‏1941 الذي تطرقنا إليه. ثم ظهرت في عام 1945 في فيلم رابع هو الفيلم الدرامي «هذا جناه أبي» من إخراج هنري بركات وتمثيل صباح وزكي رستم وصلاح نظمي ومنى وعبدالعزيز أحمد وفردوس محمد.

أما فيلمها الخامس فقد كان أنا بنت مين /‏1952 من إخراج حسن الإمام وتمثيل ليلى فوزي وفريد شوقي وسناء جميل وأحمد علام وفاخر فاخر وشريفة ماهر.

بعد ذلك أدت دور صاحبة مشغل للخياطة في آخر أفلامها وهو فيلم طريق السعادة /‏1953 من إخراج سيد زيادة وتمثيل ماجدة وكمال الشناوي وفريد شوقي وشكري سرحان وزهرة العلا وعبدالوارث عسر وفردوس محمد.

اختفت فيوليت صيداوي بعد فيلمها الأخير عن الساحة الفنية، بسبب المرض والعجز ومشاكلها مع ابنها على نحو ما أسلفنا.