بعد مضيّ اشهر على انفجار المرفأ إستفاق حسان دياب ليعلن يوم الرابع من آب يوم حداد وطنيا، وبعد مجزرة التليل سارع الى اعلان الثلثاء الماضي يوم حداد وطنيا، فهذه هي حكومة الندّابين النوّاحين، لكن المطلوب عملياً قياساً بكل ما يجري من الكوارث المتلاحقة اعلان يوم او بالأحرى دهر من الحداد على الدولة اللبنانية من رأسها الى اسفلها.

لقد كان مضحكاً مبكياً ان يحذّر الرئيس ميشال عون في اجتماع مجلس الدفاع الأعلى بعد كارثة التليل، من تسييس المأساة واستغلال دم الشهداء واطلاق دعوات تكشف بوضوح نيات مطلقيها وضلوعهم بمخططات هدفها الإساءة الى النظام ومؤسساته، وأي نظام واي مؤسسات في بلد دخل الى جهنم كما بشّرتنا يا فخامة الرئيس قبل اشهر؟

والغريب ان عون كان قد ذهب الى تسييس واضح، عندما قال انه سبق له ان عرض تقريراً عن الوضع في منطقة الشمال، وتحديداً أنشطة جماعات متشددة لخلق نوع من الفوضى والفلتان الأمني، ولست ادري ما علاقة هذ التسييس الواضح بانفجار التليل، الذي يدلّ عملياً على ان ليس هناك دولة ولا أجهزة أمنية تنسّق لمنع #التهريب والمهربين، وتخزين البنزين، ليس في التليل وحدها بل على امتداد الحدود مع سوريا، فأين هي الدولة وأجهزتها، قبل ان يضطر سعد الحريري ليرد على تسييس عون للوضع في عكار بالقول التليل ليست قندهار؟!

انتهى اجتماع مجلس الدفاع الأعلى وأبلغنا اللواء الركن محمود الأسمر المقررات، وطليعتها: “الطلب الى الأجهزة العسكرية والأمنية ضبط الوضع العام في منطقة عكار لتفادي أي فلتان، حماية لمصالح المواطنين وسلامتهم”!

بالله عليكم كم مرة سمعنا هذا الكلام فماذا كانت النتيجة؟

لا شيء على الإطلاق بدليل انه في 19 تموز الماضي، انتشرت مثلاً على مواقع التواصل الاجتماعي دعوات صريحة وواضحة الى تنظيم التهريب على خط عكار – الهرمل، عبر إقامة نقابة للمهربين، وقد رفع مهرّب الصوت شاكياً من الفوضى والتضارب على خطوط التهريب، ما أدى الى تعطل اعمال البعض من الجانبين اللبناني والسوري ودفع بعضهم الى قطع الطريق عند نقطة النعناعة بيدر الجرف الى حين إعادة تنظيم العمل، وقال ان “ما يجري هو احتكار للعمل من قِبل بعض المهربين الذين يعمدون الى افراغ البضاعة مباشرة بالصهاريج والكميونات الآتية من عكار الى الزبائن في الجانب السوري، من دون المرور بأصحاب المصالح في جرود النعناعة بيدر الجرف في الهرمل”!

هل هناك دولة قرأت هذا الكلام رغم كل الصراخ عن التهريب الى سوريا، وهل هناك أجهزة امنية كُلفت معالجة الامر؟ قطعاً لا، وفي غياب الدولة وتقصيرها وعماها، ليس من المعقول بعد كارثة التليل ان يكون هناك مسؤول سياسي واحد قرأ مثلاً البيان الرقم واحد، الموقّع باسم “القوة الضاربة في عكار”، والموجّه الى رؤساء الأحزاب والنواب والبلديات والأجهزة الأمنية، والذي يقول “ان العديد من ضباط المؤسسات العسكرية في الشمال يغطون عمليات التهريب، إضافة الى التغطية السياسية، حيث يتم الدفع لهم لتسهيل التهريب الذي يديره نجلا نائبين من عكار”.

ويضيف البيان: “بعد التثبت وتصوير فيديوات كثيرة تظهر نقاط التفتيش التابعة للمؤسسة العسكرية، والتي تتم عبرها عمليات تهريب الصهاريج الى الداخل السوري، إرتأينا ان نأخذ دور الدولة في المرحلة المقبلة وان نضرب بيد من حديد ومن دون رحمة، فالرؤوس اينعت وحان قطافها”. وخاطب بيان “القوة الضاربة” نواب المنطقة الذين امتهنوا التهريب الى سوريا بالقول: “صهاريجكم ومصالحكم سيتم استهدافها بالنار وسيتم استهداف ابنائكم”.

والسؤال: هل قرأ عون ومجلس دفاعه الأعلى كل هذا، من انشاء نقابة للمهربين الى قيام “القوة الضاربة” واتهاماتها الواضحة، وما معنى الطلب تكراراً الى الأجهزة العسكرية ضبط الوضع في عكار؟!