فعلتُها!

حذفت الواتساب من جهازي، وقضيت أكثر من 6 أشهر بدونه.

ماذا حصل؟

لم تقم القيامة، لم أفقد رئة أو كلية، لم تتحطم حياتي، ما يظن الكثيرون أنه سيحدث لو فعلوا ذلك!

أولاً، السبب: لماذا؟ لأن الشركة التي تملكها (فيسبوك) أعلنت أنه في التحديث القادم سيجبرون المستخدم أن يوافق أن يأخذوا معلوماته التي يلتقطونها منه وأن يشاركوها مع الشركة الأم، الغرض الظاهري هو الإعلانات، والغرض الحقيقي يعلمه الله، لكن فور سماعي ذلك استنكرتُه، وحذفت البرنامج.

ماذا كانت تجربتي؟

أول شيء: الراحة. هذا أول شعور غمرني، وأظن الكثير يستطيعون أن يتخيلوه، رسائل تنهمر عليك ليل نهار، "قروبات" تجذبك كأذرعة الأخطبوط، الواجب الاجتماعي يحتم عليك أن تقرأ كل رسالة وترد عليها، والويل لك لو قرأت بلا رد، ينبع سوء الظن فورا لديهم رغم أنه قد يكون لديك ظروف، حتى ربما صرتَ تتحاشى قراءة الرسائل تفادياً لهذا الواجب.

قيل: احذر رِقّ الأحرار، يعني عبودية الشخص العادي للبروتوكولات والواجبات الاجتماعية، فكثير العلاقات عليه باستمرار أن يحضر زواجاً أو أن يرسل عزاء أو يقدم تهنئة أو يزور فلان أو يكلم علان. عنقه خالية من الحديد، لكنها مكبلة بأغلال خفية. هذا واقعك اليوم مع هذه البرامج، عبودية بشكلٍ آخر، بل هي أسوأ من قبل، فسابقاً على الأٌقل كنت تختلط بالناس وترى وجوههم وتصافحهم وتضمهم وتجلس معهم، وهذا كله هام جداً للصحة النفسية والجسدية والعقلية، أما اليوم فبقيت عليك الفروض وزالت المنافع.

واجهتني بعض الصعوبات، مثل استقبال بعض الشحنات، والتواصل مع الأصدقاء والأقارب، لكن عوضاً عن الواتساب استخدمت الرسائل النصية أو برنامج Signal الآمن المحافظ على الخصوصية عكس واتساب المتاجر بها والعابث ببياناتك بثقةٍ صفيقة.

بعد أن حذفتُ البرنامج تراجعت الشركة عن قرارها، لكن لم أقرر الرجوع له رغم ذلك ولا أستخدمه إلا لو اضطررت اضطرارا لا مناص منه. السبب الاول لعدم رغبتي الرجوع له أني أعرف أن هذا قرار مؤقت وأنهم سيعاودون الكرّة، والثاني وهو الأهم أني لا أريد أن أكون عبداً له! لا أريد أن أكون كمدمن الهيروين الذي ينهار على الأرض لو حرمته جرعته، وإذا رأى المخدر دبّت فيه الحياة من جديد وقفز متلهفاً. لن أسمح لبرامج كهذه أن تستعبدني وإن سبب لي هذا مشاق، وأنصحك أن تضخ هذا التحدي في حياتك ولو لتقوية العزيمة.

6 أشهر بدون واتساب، يا لها من فترة رائعة في حياتي!