القدرة على الانسجام والتآلف مع الآخرين، وكسب تعاونهم وتعاطفهم؛ هو ما يسمى بالذكاء الاجتماعي، يقول (فيكتور هوغو): "هناك دائماً شيء أقوى من كل جيوش العالم، ألا هو الفكرة الجديدة التي حان وقت تطبيقها"، وهو ذكاء من نوع مختلف يتجاوز حدود حاصل الذكاء العقلي والمعرفي.

الذكاء الاجتماعي له خمسة أبعاد أساسية؛ أولها؛ الوعي الموقفي (أو الرادار الاجتماعي): وهو القدرة على قراءة المواقف وتفسير سلوكيات الآخرين في تلك المواقف وفقاً لأهدافهم المحتملة، وحالتهم العاطفية، وميلهم إلى التواصل. الحضور: ويشار إليه غالباً بمصطلح التأثير، وهو مجموعة كاملة من الإشارات التي يعالجها الآخرون ليتوصلوا منها إلى انطباع تقييمي للشخص. الأصالة: أي الخروج بأفكار غير مطروقة تخصُّك وحدك. الوضوح: أي القدرة على تفسير أفكارك وصياغة آرائك. وآخرها؛ التعاطف: وهي الإحساس المشترك بين شخصين، دون أن يكون منبعه الشفقة.

يمكن معرفة أهمية الذكاء الاجتماعي في وصف (مارك توين) لمديره: "لقد كان عنيفاً قاسياً في جداله، في حين كنت أرد عليه بحذر وهدوء، فالموظف لا يريد أن يتلقى إنذاراً يؤدي إلى تدهور علاقته مع مديره الأعلى".. يجسِّد مثل هذا المدير المعنى الحرفي لقلة الوعي الاجتماعي (أو الوعي الموقفي)؛ فهو يفتقر إلى الذكاء الاجتماعي، ولا يتعاطف مع الموظفين الذين يعملون لصالحه؛ ممَّا يدفعهم إلى العمل بدافع الخوف من بطشه، لا بدافع الرغبة في العمل؛ ويمكن لذلك أن يزيد المواقف سوءاً. لذا لكي نكون أذكياء اجتماعياً؛ علينا أن نفهم السياق الاجتماعي والمكاني، ونتعاطف مع الآخرين، ونكون واضحين، ونكون حاضرين بكل كياننا، وقادرين على التأثير فيمَن حولنا، ونتمتع بالأصالة الفكرية والاجتماعية.

ولكي نصنع مزيداً من العلاقات الاجتماعية المميزة والمتوازنة؛ لابد من دراسة أثر "الكلمة" وأبعادها، وتبرز هنا أهمية الصمت، فالفارق بين الكلمة المناسبة والكلمة غير المناسبة فارق شاسع تماماً، فأحياناً يكون الصمت هو الخيار الأفضل، يقول أحد الفلاسفة: "أن يشك بعض الناس بأنَّك أحمق لأنَّك تقف صامتاً، خير من أن تتكلم فتقطع الشك باليقين".. فلا تتكلم إلَّا بعد أن تتقن فن السكوت؛ وإذا تحدَّثت، فيجب أن تكون كلماتك مقصودة ومصوبة نحو الهدف مباشرة؛ وحتى تكون أكثر وضوحاً.

وكذلك لمزيد من العلاقات الاجتماعية المتوازنة لابد من إتقان مهارة التواصل؛ فللتواصل عدة أنماط وفقاً لارتكازه على النتائج أو على العلاقات الاجتماعية، وهي: الانطوائي. الدبلوماسي، القائد، المُحفِّز، ففي العلاقات الاجتماعية، تكون وتيرة التواصل منخفضة أو مرتفعة؛ أمَّا في التركيز على النتائج، يكون التركيز على الناس أو على المَهمَّة؛ ولكن في كلتا الحالتين، عليك ألَّا تصدر أحكاماً مسبقة.

وأخيراً؛ الشخص الذي يُجبَر على الاقتناع لا يقتنع أبدا، ولكي تجري حواراً حاسماً عليك أن تفهم الموقف فهماً عميقاً وكاملاً، وتحدد مصالحك بوضوح، وتحدد استراتيجية تعاملك، وتتبنَّى روحاً بنَّاءة، والإنسان كائن اجتماعي بطبعه، وليس له غنى عن التعامل مع الأشخاص المحيطين به؛ ولكنَّ التعامل مع الآخرين ليس بالأمر الهين.