في دولة الإمارات العربية المتحدة، هناك صورة تخاطبنا وتمثلنا، ولحظة تأمل تخصنا، صورة تلهمنا وتنير دروبنا، التقطت هذه الصورة في يوم خميس شتائي على شاطئ جميرا في دبي، وفي الصورة مبنى دائري أبيض اللون من دور واحد، كثير النوافذ، وعلى سطح المبنى وقف عدد من المصورين استعداداً لالتقاط الصورة التي أتوا من أجلها، وكانت هناك سارية لعلم على وشك أن يرفع للمرة الأولى.
عندما جاءت اللحظة التف الرجال حول السارية، منهم من قال بسم الله، ومنهم من قال توكلنا على الله، توحدت القلوب واتحدت الأيدي، ورفع العلم الجديد، كان ذلك في الثاني من ديسمبر 1971 عندما أشرق النور.
نعم مضت خمسون عاماً على هذه الصورة، وتغير الكثير ربما أكثر مما كنا نتخيله ونتمناه، ما عليك إلا أن تسأل أي إماراتي خمسيني وسيؤكد لك ذلك.
لنحكي للشباب عن البدايات المتواضعة التي رسمت أحلامنا الكبيرة، ومن القصص نستمد العبر وهناك قصة حدثت في إحدى مناسبات سفارة الدولة في برلين قبل عدة سنوات، خلال عرضنا لفيديو يتحدث عن فترة قبل قيام الاتحاد، وفي إحدى اللقطات بالأبيض والأسود كانت هناك لقطة لبدوي يمشي في الرمال ممسكاً «لجام بعيرة» واضعاً نعليه تحت إبطه، فسألني أحد الحضور الأجانب «لماذا لا يلبس نعاله! ربما لأنه يفضل المشي حافياً ليستمتع بنعومة الرمال». فأجبته «لا يا سيدي، لم يكن ذلك من باب المتعة؛ بل لضيق العيش لكي لا يبلى نعاله».

1

اتسعت حدقتا عينيه عند سماع الإجابة، وقال: «إياكم أن تنسوا هذه اللحظة، فتلك جذوركم وقصة كفاحكم للعيش في تلك الظروف القاسية، قصة عليكم أن تذكروا أبناءكم بها».
سنفعل ذلك وسنكرر للشباب قصة أخرى عن قسوة الحياة في ذلك الزمن قالها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، قبل سنوات: «بين كل طفلين ولدا على أرضنا كان يموت واحداً منهما خلال السنة الأولى، وبين كل ثلاثة نساء يلدن تموت إحداهن خلال الولادة».
لم تكن هناك لقاحات ولا مستشفيات، وربما يصنف الآن وضعنا آنذاك بالكارثة الإنسانية، ولهذا نرى أن من أوائل المستشفيات التي بنيت في الدولة مثال على ذلك مستشفيين في رأس الخيمة والعين التي بنتها جمعيات الإغاثة المسيحية كانت للأطفال والولادة.
ليسمع الشباب عن ردود فعل غالبية الناس في مجتمعنا غير المتعلم، خصوصاً النساء منهم عندما بدأت بعض التقنيات بالدخول إلى حياتهم لأول مرة، فعندما دخل التلفون كانت دهشتهم كبيرة، ومنهم من ظن أنه سحر، فكيف باستطاعة الكلام أن ينقل عبر السلك «كيف الرمسه تمشي في الواير!!».
لنروي لشبابنا وهم يشاهدون نافورة المياه الراقصة أمام أطول مبنى شيده الإنسان على سطح هذا الكوكب كم هي غالية قطرة الماء، وفي مقابلة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، مع قناة CNN قبل أكثر من 10 سنوات عندما قال سموه: «في كل يوم هناك تحديات، حتى الحصول على الماء كان تحدياً بالنسبة لنا، والحياة بدون تحديات هي حياة مملة».
من أجمل الصدف أن تأتي الذكرى الخمسين في يوم خميس كما كانت عندما رفع علم الدولة لأول مرة.
فلنملأ حياتنا بالتحديات حتى لا تكون مملة.

* دبلوماسي إماراتي