العلم يحب الشمس والنور وينمو فى الأوكسجين والهواء النقى، ويحتاج الضوء ليصنع منه كلوروفيل التغيير والإبداع، لذلك فمقياسه النشر العلمى فى الدوريات العلمية، ومعياره وميزانه انتقادات العلماء فى المؤتمرات العلمية الدولية، العلم يسعى للعلن، لا يختبئ فى كهف ولا يعرف شغل العصابات ولا يتقن لغة الشفرة والسيم والتلسين ولهجة من تحت لتحت والدروب الجانبية والأنفاق السرية، العلم الزائف على العكس، يدعى السرية ويوهم الناس بالكتمان مخافة التسريب واحتياطاً من أطراف المؤامرة وتحسباً للسطو المسلح، والغريب أنه مع كل هذا الجو الهيتشكوكى الكافكاوى الغامض غالباً ما يعلن نتائجه فى مؤتمرات صحفية وضجة إعلامية وبروباجندا جوبلزية!!

لماذا يعلن العلم الزائف عن نتائجه إعلامياً فى مؤتمرات صحفية وبرامج فضائية قبل الإعلان عنها فى مجلات علمية محكمة أو مؤتمرات علمية دولية، بالرغم من أنه يردد دائماً نحن نحافظ على السرية خشية المؤامرة الكونية؟ سؤال مطروح ومشروع والإجابة عنه توضح لنا الميكانيزم الذى يستخدمه العلم الزائف للانتصار وكسب الجمهور، وللأسف هو انتصار وقتى ومكسب زائل لا يطمح إليه العلم الحقيقى الذى لا يتاجر بغرائز وعواطف البسطاء، هذا الشبق الإعلامى هو استباق من أصحاب العلم الزائف، لأن شرط التجربة فى العلم هو إمكانية إعادتها عدة مرات بأشخاص مختلفين وعلماء متعددين والحصول على نفس النتيجة، ومن هنا تأتى أهمية النشر لكى يطلع عليها من يريد تكرار التجربة للتأكد، وهذا حق علمى مشروع ومطلوب، فمن يعلن أن الماء يتجمد عند درجة حرارة الصفر هو إنسان يعلن للعالم ويدعوه قائلاً ها أنا اكتشفت قانوناً فيزيائياً معيناً فلتجربه يا شوان لاى فى الصين ويا جورج فى إنجلترا ويا محمد فى أفغانستان ويا بيتر فى كينيا ويا حاييم فى إسرائيل، ستجد حتماً نفس النتيجة، وأنا مستعد كعالم لمراجعة نتائجى إذا وجد أحدكم ظاهرة مختلفة أو رقماً مغايراً، والعالم الحق لا يخجل من مراجعة نتائجه ولا يعاند، العلم لا يعرف القمص والزعل وحساسية الكرامة الشخصية عند النقد، بل العالم الحق هو من يدق الأبواب على الآخرين قائلاً «استيقظوا وأنقدونى وقومونى بالأبحاث المضادة»، قوانين نيوتن التى غيرت العالم وكانت ثورة جديدة فى مفاهيم الحركة والفيزياء والنظرة إلى الكون عموماً هل عندما جاء أينشتين واكتشف أن هذه القوانين غير مناسبة فى ظروف أخرى مثل السرعات الهائلة أو حركة إلكترون أو طبيعة ضوء تفسيرها مختلف.. إلخ، هل زعل واتقمص تلاميذ نيوتن ممن حصلوا على الدكتوراهات طبقاً لمفاهيمه وأعلنوا الانتقام من أينشتين الذى أحرج أستاذهم وخذلهم وجرح كرامتهم؟! هذه المفاهيم الثأرية الانتقامية غير موجودة فى العلم الحقيقى على عكس العلم الزائف.

العلم لا يعرف الطناش بل وقوده هو الوسوسة والتشكك، العلم الزائف عمود خيمته الأساسى هو الطناش، بمعنى تجاهل الأخطاء التى تكتشف أثناء البحث المتسربع السريع الذى به من اللكلكة الكثير، كنس تراب الأخطاء وإخفاؤها أسفل سجادة البحث اللاعلمى اعتماداً على ذاكرة الجمهور المستهدف المصابة بالألزهايمر التى تمل بسرعة من الدقة والأرقام والإحصائيات، هذا الكنس والإخفاء هو القاسم المشترك الأعظم بين كل ما يسمى علماً مزيفاً، بداية من الجراحة الآسيوية بدون مشرط حتى ثنى المعادن وتحريك الأشياء عن بعد، وغالباً أو فلنقل دائماً العلم المزيف لا يراجع نفسه، وطبعة كتابه الأول شبيهة بل ومطابقة لطبعة كتابه الألف، فهو يكرر نفس الكلام ويدور فى نفس الفلك، لأنه لا يملك علماً تراكمياً تطورياً بل هى فكرة وهمية تلمع فى الذهن يلفق لها نتائج وتجارب لا تعرف لها رأساً من قدمين لتقدم للجمهور طبخة برائحة العلم ما إن يتناولها المجتمع حتى يصاب بالتلبك العقلى.