كل مشروع ناجح يوجد خلفه رجل ناجح يؤمن به، يعطيه جل وقته وماله وجاهه، يتعهده بالرعاية والمتابعة، لا توقفه العقبات ولا واضعو العصي في دواليب المشروعات لإيقافها. فخلف محمية الغضا في عنيزة عبدالله العبد الرحمن السليم، وخلف متنزه الغاط الوطني سليمان صالح الصعب، وخلف متنزه الزلفي الوطني عبدالكريم الفراج، أما درب زبيدة وهو درب الحجاج من الكوفة في العراق إلى مكة المكرمة فخلف إحيائه اللواء المهندس المتقاعد عبدالعزيز العبيداء، الذي يقع ضمن تخصصه العلمي كضابط في المساحة العسكرية، والذي ساهم في إخراج أطلس المملكة.

شارك في اليوم الأول لمسيرة درب زبيدة نائب أمير منطقة حائل صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن مقرن بن عبدالعزيز، أمير يتمتع بحيوية الشباب وتواضع الكبار، حيث سار مع المجموعة مسافة عشرة كيلو مترات، وأثناء الاستراحة صافح وهنأ المشاركين والمشاركات من داخل المملكة وخارجها، وهذا دليل اهتمام إمارة منطقة حائل وأميرها صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعد بن عبدالعزيز في كل نشاط يجلب الخير للمنطقة، وحين يكون النشاط أو المشروع محل اهتمام المسؤول الأول في المنطقة يتعاون معه الجميع، ويصبح النجاح من نصيبه، وترتفع الروح المعنوية.

شاركت في هذا النشاط ماشياً، وعشت حماس المشاركين والمشاركات رغم برودة الجو والمبيت في خيام صغيرة ينصبها الشخص بنفسه، أما المساء فيكون للسمر مع الفنون الشعبية والمحاضرات الثقافية وتبادل الخبرات، ثم النوم مبكراً ليستيقظ الجميع مع أذان الفجر لمواصلة المسير بعد الإفطار. وقد تم المرور على كثير من الآثار التاريخية والآبار والبرك والمشي في تضاريس مختلفة تتراوح بين السهول والرمال، ما يجعل هذا الطريق مهيئاً ليكون مساراً عالمياً يقصده هواة المشي وركوب الإبل والدراجات الهوائية وعاشقو التاريخ، على غرار ممشى الحج الموجود في شمال إسبانيا تحت مسمى (طريق سانتياغو دي كومبوستيلا) وهو طريق الحجاج إلى مقام القديس جيمس في كاتدرائية سانتياغو دي كومبوستيلا في شمال غرب إسبانيا، وأصبح مفضلاً لهواة المشي في الهواء الطلق وركوب الدراجات في الجبال وبأعداد تقارب الثلاثمئة ألف مشارك كل عام، وكل ما يحتاجه المشارك هو سرير ينام عليه، وعشاء وإفطار، وحمام ساخن.

حائل منطقة جميلة تجمع بين خصوبة التربة وتنوع التضاريس وجمالها، وتمتاز بموقع متوسط بين مناطق المملكة، وأهم من ذلك جميعاً كرم أهلها وطيبتهم وترحيبهم بكل زائر للمنطقة، عدت من تلك المشاركة بشعور جميل وبعض الملاحظات والمقترحات:

أولاً: حائل مهيأة لنهضة سياحية كبيرة تخلق عشرات الألوف من الوظائف والدخل الإضافي للأسر وأصحاب النزل والمزارع وكل مشارك في خدمة السائحين، تتمتع المنطقة بجو معتدل على مدار العام، وكرم الضيافة يجعل الزائر من داخل المملكة وخارجها يعود بانطباع حسن عن المنطقة وأهلها وعن المملكة بشكل عام، لكن السياحة بحاجة إلى اهتمام أكبر بالبيئة والحياة الفطرية، ومشروعات كبيرة تبنى كل الأنشطة حولها، كالمراكز التجارية الكبيرة التي توفر الترفيه للأسر ومن مختلف الأعمار، والمشروعات الرياضية والسياحية التي يشارك فيها صندوق الاستثمارات العامة والقطاع الخاص، كإنشاء متنزه بري كبير تكون فيه الحيوانات طليقة على غرار المتنزهات العالمية في كثير من الدول ككينيا وجنوب إفريقيا وأميركا ونيوزلندا وغيرها. وهذه المتنزهات توفر حياة طبيعية للحيوانات البرية المهددة بالانقراض، وجاذبة للسياح من مختلف مناطق العالم.

ثانياً: تمتاز منطقة حائل بموقعها الاستراتيجي المهم، فهي وإن كانت في العمق إلا أنها قريبة من القواعد العسكرية المتقدمة في الشمال الغربي والشمال الشرقي، ما يجعلها من أفضل المواقع لدعم تلك القواعد والمدن العسكرية، وفي حرب تحرير الكويت تم نشر الطائرات المقاتلة وطائرات الإسناد في كل من مطار القصيم وحائل، كما أن القوات المسلحة تسهم في تنمية المناطق كما حصل في كل من خميس مشيط وتبوك وحفر الباطن وغيرها، فهي لا تخلق وظائف مباشرة فقط، لكنها توجد نهضة عمرانية شاملة، كما تسهم في التنوع السكاني، حيث يفد إليها ويستقر بها أفراد من كل مناطق المملكة ما يعزز تقارب المجتمع ويقوي الوحدة الوطنية.

المملكة -والحمد لله- تشهد نهضة اقتصادية واجتماعية كبيرة تقوم على أسس سليمة، ولها صفة الاستدامة، ولكل منطقة من مناطق المملكة نقاط قوة يجب استثمارها كما حصل في كل من العاصمة الرياض بمشروعاتها الكبيرة، وجدة، والبحر الأحمر، والسودة، ونيوم وغيرها. والمقبل أفضل بإذن الله.