الانسان وما أدراك ما الانسان، هذا الانسان بفعل ثوريته المتعددة… ثوريته الزلزالية البركانية من حروب وتدمير، وثوريته الحيوانية من عالم الثيران المندفعة دون تحكم ذاتي، وثوريته الابداعية من تفجر الطاقات العلمية والتكنولوجية بأنواعها بفضل ذكائه المتنامي، قد بلغ درجة من نتاج التفاعل بين مجموعة هذه الثوريات مما افرز كيانًا بيو ـ تكنولوجيا (مركب بشري من بيولوجيا وتكنولوجيا) خارج نطاق الانسان الطبيعي… البيولوجيا بجانب التكنولوجيا في دعم سباق التسلح… جيش معدل جينيًا، لا يخاف، لا يتألم، لا يحس، يتمتع بقوة عضلية خارقة مهيئ فقط للقتل دون تردد ولا رحمة. هذا آخر ما استجد من علم الانسان في مجال تكنولوجيا الحرب والدمار. هكذا فان سوبرمان superman الخيال أصبح نطفة في رحم التكنولوجيا، وموعد ولادته بعد ثلاثين عام، واسمه سايبورغ cyborg.

أصابع الإعلام الغربي ومعها المخابرات الامريكية تشير الى ان الصين تعمل على تجهيز جيش من هذا المركب البيو ـ تكنولوجي سايبورغ، ومعلومات أخرى تؤكد ان «الجيش الامريكي يتوقع ارسال جنود سايبورغ cyborg الى الميدان بحلول عام 2050… يعتقد الجيش الأمريكي أن مجموعة من التقنيات يمكن أن تكون متاحة بحلول عام 2050 والتي من شأنها أن تحول الجندي العادي بشكل فعال إلى جندي خارق محسّن من الناحية الإلكترونية. توقعت دراسة حديثة لوزارة الدفاع أن الرؤية المحسنة والسمع المحسن والتحكم في العضلات وما يرقى إلى التخاطر ستصبح جميعها ممكنة في غضون 30 عامًا، نظرًا للوتيرة الحالية للتطور التكنولوجي». الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحدث عن الجنود ذوي القدرات الخارقة، خلال مهرجان للشباب في سوتشي عام 2017، مؤكدًا أن الأمر قد يكون أسوأ من القنبلة النووية. الموضوع جدي وحقيقي، وليس اعلاماً سياسيًا من نسج الهواجس والمخاوف والتوقعات، او جزءًا من حرب إعلامية او حرب نفسية. جيش من انسان تكنولوجي غير انساني ينتظر رؤية الشمس قريبًا، اقرب من التوقعات التي تقول ان الولادة ستكون عام 2050.

هذا هو أحدث ما توصل اليه الانسان من ابداعات ذكائه الخارق … المعلومات تتوقع ولادة هذا الجندي السوبرمان مع حلول عام 2050، ولكن من المتوقع، حسب الطبيعة العجولة عند الانسان، ان ولادة هذا الغول الجبار سيكون اقرب من هذا الموعد خاصة وأن سباقًا محمومًا يجري بين القوى العظمى، العظمى عسكريًا وتكنولوجيًا، لتحقيق السبق في تكنولوجيا الحرب والدمار والتمكن من الهيمنة… هوس السيادة على العالم سيعجل بولادة الجيش المكون من الوليد الجديد بعد معاشرة طويلة ومعقدة بين الانسان والتكنولوجيا، ايهما الام وايهما الاب، لا احد يدري، ولكن المعلوم ان الجندي السوبرمان أصبح حقيقة وهو يتحرك في رحم المختبر الذي جمع الانسان والتكنولوجيا في مخدع الزوجية. بهذا الاختراق العبقري من الذكاء المفرط بالحماقة في انتاج إنسان مجرد بالمطلق من الانسانية، فإن التسلح لم يعد قضية ملحة تحتاج الى حل لتفادي كوارث الحروب من اجل الحفاظ على الجنس البشري، بل ان التسلح قد اصبح مشروعًا شرعيًا مقبولًا ومهضومًا وضروريًا ضمن بقية مشاريع التنمية المستدامة!!!… إلى سنوات ما قبل نهاية القرن العشرين كان سباق التسلح شبحًا، يتضخم يومًا بعد يوم، يرعب الانسان ويجعله قلقًا على وجوده، ويستذكر كيف ان الديناصورات قد انقرضت بفعل الطبيعة الكونية، دون ارادة من الديناصورات ذاتها، و كيف ان الانسان يحفر قبر انقراضه بارادته الذكية المفرطة بالحماقة… ولادة هذا الانسان اللا انساني ستكون بداية العد التنازلي لحياة الانسان على هذا الكوكب، لأن هذا الانسان ـ السحر سينقلب على الانسان ـ الساحر، وسوف يوري السحرُ الترابَ على الساحرِ، ويتحول كوكب الارض مقبرة ابدية للبشرية بجانب الديناصورات، وينتهي دور الزمن، لان الزمن هو التوءم الذي ولد مع ولادة الانسان. كون الانسان يحفر قبره بنفسه ليس برأي جديد، فقد تطرق الفيلسوف البريطاني برتراند راسل في الخمسينيات الى هذا السلوك البشري الاحمق في كتابه «عالمنا المجنون». في مخزوننا الشعبي مثل يقول:

«يا من شرى من حلاله عله»، ومع المولود الجديد نستنبط مثلًا موازٍ هو: «يا من حفر من ذكائه قبره»…