احتفل الرئيس الأميركي جو بايدن، الأسبوع الفائت، بمرور العام الأول على دخوله البيت الأبيض خلفاً للرئيس السابق دونالد ترامب. ويمكن القول إن احتفال بايدن الأول كان مُراً، لأنه أتى متزامناً مع تفاقم الأزمات الداخلية والخارجية التي تحاصر البيت الأبيض، إضافة الى مشكلة خاصة بالرئيس وأدائه رأساً للسلطة في البلد الأقوى في العالم.

فقد تميز العام الأول من ولاية الرئيس بايدن الذي حمل مع انتخابه وعوداً كبيرة بإخراج أميركا من أزماتها الداخلية، لا سيما على مستوى مصالحة الأميركيين بعضهم مع بعض، وإعادة جمعهم وإلحاق الهزيمة بوباء كورونا، وإنعاش الاقتصاد المتعب، وإعادة تأهيل البنى التحتية المهترئة في البلاد وحل أزمة الهجرة. لكن الرئيس وإدارته التي أتت تحت شعار الكفاءة والقدرة على الإنجاز، لم يتمكنا من تحقيق العديد من الوعود، خصوصاً أن الكونغرس بقي منقسماً انقساماً شبه متعادل بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري، فظل بايدن يحاول ممارسة الحكم ودفع التشريع الى الأمام متكئاً على أكثرية ضئيلة في الكونغرس. استطاع أن يمرر جزءاً من برامجه الإنمائية، لكنه فشل في إقرار العديد من البرامج الأخرى، مثل برنامج إعادة تأهيل البنى التحتية الضخم.

على صعيد مكافحة وباء كورونا، بدت الأيام الأولى لتولي بايدن مقاليد الأمور في واشنطن جيدة ومشجعة، لكن تفشي المتحور "أوميكرون" تفشياً واسعاً في أرجاء الولايات المتحدة تجاوز كل الإجراءات التي قامت بها الإدارة، الى حد أن أزمة الوباء تحولت نقطة ضعف أضيفت الى سجل الرئيس بايدن السلبي في عامه الأول.

لا بد من الإشارة الى أن مؤسسات استطلاع الرأي اتفقت في معظمها على أرقام متقاربة، أفادت بأن شعبية الرئيس بايدن بعد عام على دخوله "المكتب البيضاوي" لم تتجاوز الـ42 في المئة، ما اعتبر نكسة لولاية الرئيس الأكبر سناً في تاريخ أميركا.

فإذا كانت أجندة الرئيس الداخلية تعثرت في جانب مهم منها، فإن سياسة بايدن الخارجية وأداء إدارته في الأزمات الخارجية انعكسا سلبياً جداً على صورته، وخصوصاً في الاختبار الحساس الأول في ولايته الذي شكله الانسحاب الأميركي من أفغانستان. فالانسحاب الذي وُصف بالكارثي والفوضوي وغير المنسق مع الحلفاء على الأرض، أدى الى تقويض صورة الولايات المتحدة بين حلفائها، لا سيما بعدما ترك خلف الخطوط عشرات الآلاف من المواطنين الأفغان الذين عملوا مع القوات الأميركية وحلف "الناتو" لمدة عقدين من الزمن. هؤلاء مع عائلاتهم بقوا رهائن بيد قوات "طالبان". وقد كان أداء الرئيس الأميركي شخصياً سيئاً بحسب تقديرات وسائل الإعلام الأميركية ومؤسسات الاستطلاعات، إضافة الى آراء عشرات المراقبين الأميركيين والأجانب الذين رأوا في أداء الرئيس قصوراً كبيراً، إن لجهة تنظيم الانسحاب وتنسيقه مع الحلفاء، أو لجهة التخلي عن المتعاونين الأفغان وتركهم يواجهون مع عائلاتهم مصيراً أسود.

صدر العديد من الانتقادات العلنية للرئيس الأميركي، وبدا خلال الندوات الإعلامية التي شارك فيها على هامش قضية الانسحاب وكأنه غير ممسك بالملف كما يجدر به كرئيس للقوة العظمى المعنية به. أكثر من ذلك، تزايدت علامات تشير الى مشكلة في التركيز لدى الرئيس، إضافة الى أن خطابه صار مع الوقت يحتوي على الكثير من التناقضات في المواقف والتعابير.

أظهرت أزمة الانسحاب من أفغانستان الرئيس جو بايدن بمظهر الضعف والتردد والتشتت. ولم يختلف الوضع في ما يتعلق بالأزمة بين الولايات المتحدة والصين بشأن التحرشات التي لم تتوقف الأخيرة عن ممارستها في حق تايوان. ففي هذا الملف، لم يشذ الرئيس الأميركي عن المسار الانحداري في التعامل مع ملفات ساخنة وخطرة بالنسبة الى الأمن القومي الأميركي، على الرغم من أن العقيدة الاستراتيجية لإدارة بايدن تمحورت حول التنافس الاستراتيجي بين أميركا والصين، واعتبار واشنطن أن بيجينغ هي الخصم الأول، والأخطر عليها.

إذا ما توسعنا قليلاً في الحديث عن العام الأول لولاية الرئيس بايدن، لا بد من التعريج على ملف الشرق الأوسط الذي يبدو أن بايدن ورث في ما يتعلق به عقيدة الرئيس الأسبق باراك أوباما، لجهة وضع ملف الاتفاق النووي مع إيران فوق كل الملفات، والتضحية بالعلاقات الاستراتيجية والتاريخية مع الحلفاء في المنطقة لمصلحة إعادة فتح قنوات التفاوض مع إيران بما يتناسب ومصالحها. فقد استهل بايدن ولايته بالإعلان أنه عازم على إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، داعياً الى العودة الى طاولة المفاوضات. وتزامن هذا الموقف مع الإعلان عن رفع جماعة الحوثيين في اليمن عن لائحة الإرهاب الأميركية، والتضييق على مشتريات السلاح للحلفاء الذين يخوضون حرباً وجودية في اليمن.

وقد شهد التعاون الاستطلاعي والاستخباري بين الأميركيين وحلفائهم في الخليج تراجعاً لمصلحة حلفاء إيران، أي الحوثيين. ومع ذلك تأخرت عودة الإيرانيين الى طاولة التفاوض، بذريعة التغيير الذي حصل في السلطة بعد انتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهورية، ولم تتراجع إيران في اليمن، ورفضت مبادرة السلام التي تقدمت بها المملكة العربية السعودية، واستمر هدف احتلال مدينة مأرب في رأس أولويات الحوثيين ومن خلفهم الإيرانيون.

وفي الوقت عينه، لم تتوقف تحرشات الميليشيات المرتبطة بإيران والمنضوية في إطار "الحشد الشعبي" في العراق ضد مواقع ومنشآت أميركية في العراق وسوريا. ومع ذلك، لم يواجه الرئيس بايدن التصعيد الإيراني بحزم، لا بل إنه تجاهله، مفضلاً مثل سلفه باراك أوباما الاصطدام بالحلفاء العرب وإسرائيل على التضييق على إيران.

حتى كتابة هذه السطور، لا يزال الإيرانيون يماطلون على طاولة التفاوض في فيينا، ولا يزال الحوثيون، على الرغم تراجعهم في ميدان المعركة، يمطرون مدناً وقرى ومنشآت مدنية في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بعشرات الصواريخ والطائرات المسيّرة المفخخة. كل ذلك يحصل، كما يعتقد الكثيرون في الشرق الأوسط، بسبب تراجع صدقية الولايات المتحدة وفشل الإدارة الحالية في فرض نفسها على الأطراف الإقليميين، وفي مقدمتهم إيران.

أخيراً لا بد من الإشارة الى الأزمة التي تحتل صدارة الاهتمامات العالمي، أي أزمة أوكرانيا المهددة باجتياح روسي قريب، لا يمكن أن يحصل لولا شعور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه قادر على أن يشن حرباً من دون أن يلقى رداً غربياً حازماً تقوده الولايات المتحدة لمنع روسيا من احتلال البلدان المجاورة. علامات الضعف والتشتت والتردد والتقدم بالعمر لدى الرئيس جو بايدن تشجع قادة دول توتاليتارية مثل الصين وروسيا وإيران على المجازفة بالتوسع بواسطة القوة في محيطها الحيوي. إن شخصية بايدن التي تعكس الضعف تشجع قوى معادية للولايات المتحدة والغرب على المغامرة. ولذلك فإن سنة 2022 قد تشهد حوادث دارماتيكية على صعيد أوكرانيا، الملف النووي الإيراني وتايوان.