قد يستغرب البعض من الموقف الروسي الواثق من نفسه، والذي دفعه إلى شن هجوم على أوكرانيا في 24 فبراير، 2022 – وهو أخطر تطور عسكري يشهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية إلى الآن – وقد مضى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في العملية العسكرية على الرغم من التهديدات بالعقوبات الاقتصادية والعسكرية والسياسية.

يرى المحللون السياسيون أن سبب هذه الثقة أن مستوى التصميم والعزم عالي جداً لأن الأهداف والدوافع واضحة بالنسبة للروس، في حين أن الطرف الغربي رؤيته غير واضحة، سوى تكرار كلمات مثل الخير مقابل الشر والديمقراطية مقابل الاستبداد، وهي دوافع فضفاضة غير واضحة المعالم.

إن تفاقم الأزمة في أوكرانيا كانت في بداية يناير وفبراير، 2021 أي بعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض والذي كان وصوله للرئاسة بمثابة بطاقة دعم لحكومة كييف والرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، لمواجهة موسكو – بعد أربع سنوات من إدارة دونالد ترامب، والتي كانت سياستها مع الروس تختلف عن الإدارة الحالية – والانقلاب على اتفاقيات مينسك بتشجيع من إدارة بايدن تحديداً في محاولة لتقليص النفوذ الروسي والنظر في ضم روسيا لشبه جزيرة القرم والاستعداد لعملية عسكرية لاستعادة سيطرة أوكرانيا على أقاليمها التي سيطر عليها الانفصاليون الموالون للروس في إقليم الدونباس.

فشبه جزيرة القرم بالغة الأهمية للروس، لأن فيها ميناء سيفاستوبول، وهو مقر أسطول البحر الأسود الروسي ومنه، يتم النفوذ إلى أي مكان في العالم، أما أهمية شرق أوكرانيا أو الدونباس المكون من إقليمين رئيسين «لوهانسك» و«دونيتسك»، تكمن في أنهما معقل الصناعات في أوكرانيا التي تشمل معظم الصناعات الحيوية وفيها كميات هائلة من الفحم والبترول والغاز. كما أن معظم سكان هذين الإقليمين من أصل روسي وحاملين لجوازات سفر روسية أي أن ولاءهم لروسيا، إذاً الثروة لروسيا هنا بشرية وطبيعية.

وبالتالي أهداف الروس واضحة في أوكرانيا فهي مسألة حياة أو موت وموقفها القوي مبني على مسألة وجود وأمن قومي، لذلك لم يكترث بوتين بكل العقوبات الاقتصادية والمساعدات العسكرية لأوكرانيا.

أما موقف الغرب من الأزمة الأوكرانية فهو يتلخص في عبارتين: «لن نفاوض الروس ولن نحارب الروس»، وهذا مما دفع بوتين للخيار العسكري، لأنه أدرك أن الغرب لن يحارب، لأن أوكرانيا ليست أولوية بالنسبة له والذي تمثل بدعوة بايدن العالم للدعاء للأوكرانيين من دون أي وعد بإرسال جنود لأوكرانيا.

إذاً الاستراتيجية الأميركية- الغربية هي مواجهة صعود روسيا باستخدام القوى الموالية للغرب مثل الحكومة الأوكرانية ضد روسيا وليس أن تكون أوكرانيا جزءاً من حلف الشمال الأطلسي. فالمسألة كلها مصالح متضاربة بين المعسكر الغربي والشرقي، لذلك الواقعية السياسية تحتم على منطقتنا الوقوف على الحياد، والبحث عن مصالحها مع أي قوة، والسعي لبناء تحالفات قوية داخل المنطقة مع أعضاء تتشارك فيما بينها في الأهداف السياسية والاقتصادية والعسكرية لمواجهة أي خطر خارجي.