نشرت مجلة أتلانتك قبل أيام حواراً مع ولي العهد السعودي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان تحدث فيه عن العديد من القضايا المحلية والإقليمية والعالمية.

تميّز الحوار بالشفافية العالية والصراحة الكبيرة والوضوح الشديد، لدرجة أن الصحفيين اللذين أجريا اللقاء كانا يتناوبان في طلب الاستيضاحات بدلاً من القفز على الأسئلة، طمعاً في أن يواصل الأمير محمد «وضع النقاط على الحروف» و«وضع الأمور في نصابها». كانا يستمعان بإنصات من دون الدخول على خط إجابته، وهما اللذان تعودا من خلال المدرسة المهنية التي ينتميان لها على المحاججة والمقاطعة والاستماتة في إبداء وجهة النظر المخالفة القائمة على التمايز الثقافي.

تحدث الأمير في الحوار الطويل عن جوانب اقتصادية وسياسية ودينية واجتماعية تشغل بال المواطن السعودي، والمواطن العالمي على حد سواء. وسأوجز في هذه المقالة ثلاث نقاط مهمة تتقاطع بشكل أو بآخر مع حديثه حول السعودية ومنطقة الخليج العربي والسياسة الدولية.

النقطة الأولى تتعلق بالسعودية، فقد كان حديث الأمير محمد بن سلمان نابعاً من رؤية راسخة وحقائق نشاهدها اليوم على أرض الواقع، فالتحديث والتطوير (غير المنسوخ بحسب وصف الأمير) يشمل كل المجالات من أجل صناعة مستقبل أفضل للبلاد التي ظلت طوال 80 عاماً تعتمد بشكل أساسي على دخل البترول. ومع أن التغييرات الشاملة من هذا النوع التي تُجرى لتغيير السياسات الاقتصادية لأي بلد في العالم لابد أن تترك آثاراً مباشرة على جيب المواطن لعدة سنوات، إلا أن رؤية السعودية 2030 أثبتت بنجاح أنها تعمل في خطين متوازيين بنفس السلاسة والنعومة، فالبناء والإصلاح قائمان في كل مكان بالمملكة، وفي نفس الوقت هناك تقييم مستمر لكل الآثار الجانبية المؤقتة التي تصاحب في العادة هذا النوع من التغيير، من أجل تخفيف الأثر المباشر على المواطن السعودي.

والنقطة الثانية تتعلق بحديثه حول مستقبل منطقة الخليج. فقد بدا لكل من قرأ الحوار أن الأمير محمد يضع كل دول الخليج بما فيها السعودية في مركب واحد. مستقبلها واحد والأخطار التي تتهددها واحدة، لذلك لابد أن تكون هناك رؤية استراتيجية واحدة تجمع كل دول الخليج العربي. لا مشكلة في أن تكون لكل دولة مصالحها الخاصة وحساباتها الاقتصادية التي تتناسب مع رؤية مسؤوليها، لكن ذلك لا يمنع أبداً «مجلس التعاون الخليجي» من أن يكون هو المنظّم لرتم السياسة الخليجية الخارجية. أصوات الدول الست يكون أقوى وأوضح عندما ينتظم في فضاء واحد في مقابل أصوات دول العالم المختلفة. ورأيها السياسي الواحد قادر على أن يحمي مصالحها مجتمعة أمام التكتلات السياسية العالمية.

أما النقطة الثالثة فهي حول حديثه عن علاقة الغرب بالشرق، واستخدام العواصم الغربية لقميص «حقوق الإنسان» من أجل الحصول على بعض المكاسب من عواصم الشرق، فقد لفت نظري هنا مقارنة الأمير بين «العدل السعودي» في محاكمة قتلة الصحافي جمال خاشقجي، و«الانحياز السياسي» للقتلة الذين لُطخت أيديهم بدماء الأبرياء في «سجن أبو غريب» بالعراق وحفلات الأعراس في أفغانستان وغيرها.

السعوديون يتعاملون مع الجريمة أياً كان نوعها على أساس أنها حادثة جنائية، يحاكمون فاعليها إن كانت في دائرة سلطتهم، ويعبرون عن إدانتها إذا كانت خارج سلطتهم، وأما المتاجرون بالمواقف الدولية، فالحوادث الجنائية عند غيرهم انتهاكات لحقوق الإنسان حتى وأن تعامل معها القضاء بنزاهة، بينما يعتبرون انتهاكاتهم لحقوق الإنسان إنجازات وطنية، تستحق التبجيل والتكريم!