في خطوة مثيرة للتأمل والتفكير، فاجأ محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي الليبي كل من لهم اهتمام بالشأن الليبي المتردي في ظل حكومتين تتنازعان على الشرعية، بتلويحه مجدداً باحتمال تدخله لإنهاء الأزمة السياسية الراهنة في البلاد، والصراع المحتدم حول السلطة بين حكومة «الوحدة» برئاسة عبد الحميد الدبيبة وحكومة «الاستقرار» برئاسة فتحي باشاغا.

السؤال الذي فرض نفسه مباشرة عقب هذا التلويح هو: هل يستطيع المنفي ذلك؟ وإن كان يستطيع فما الذي يمنعه من تحقيقه؟ ووفق أي تصور سوف يستطيع تحقيق ذلك؟

سؤال مُركب يكشف عمق الأزمة التي تعيشها ليبيا في ظل حكومتين.

المعروف، أنه بعد فشل حكومة الدبيبة في إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها المقرر، اتخذ البرلمان الليبي قراراً بإسقاط شرعية هذه الحكومة وشكل حكومة جديدة بديلة برئاسة وزير الداخلية الأسبق فتحي باشاغا أخذت اسم «حكومة الاستقرار» في مارس/آذار من العام الجاري. ومنذ تشكيل هذه الحكومة التي لم تستطع بعد مباشرة مهامها من العاصمة طرابلس حتى الآن، واضطرت لاختيار مدينة «سرت» مقراً مؤقتاً لها، لم تعرف ليبيا خريطة طريق للخروج من مأزق صراع الحكومتين، وباتت ليبيا مهددة بهذا الصراع بين من يأخذ اسم «الوحدة» ولا يسعى إلى الوحدة وبين من يحمل اسم «الاستقرار» ويعجز عن تحقيقه.

الأمر اللافت، وربما المحزن في هذا السياق، أن المنفي الذي هو شريك في السلطة التنفيذية مع حكومة «الوحدة» برئاسة الدبيبة لم يبادر بجهد له معنى لحل أزمة «صراع الشرعيات» الذي يتهدد ليبيا، وبدلاً من أن يقوم بذلك قام بزيارة إلى مدينة مصراته (غرب طرابلس) يوم السبت الفائت (7/5/2022) وهناك قال مقولته المشار إليها إنه سيتدخل لإنهاء الأزمة المتفجرة بين الحكومتين، وإنه سوف ينهي هذه الأزمة، أي أنه سوف يعمل على «توسيع صلاحيات المجلس الرئاسي وتسلم رئاسة (حكومة مصغرة) لإدارة البلاد، تحضيراً للإعلان عن قاعدة دستورية وقوانين انتخابية»، مشيراً إلى أنه سيحتفظ برئاسة المجلس الرئاسي والحكومة الجديدة معاً، على غرار الوضع إبان حكومة «الوفاق» التي ترأسها فائز السراج، بعيداً عن النزاع الدائر بين حكومتي باشاغا والدبيبة على الشرعية والسلطة. أي أن اختراع المنفي وإبداعه الجديد لحل أزمة صراع الحكومتين الليبيتين سيشكل حكومة ثالثة، لتدخل ليبيا في أتون صراع غير محدود بين ثلاث حكومات.

في المقابل أعلن الدبيبة تمسكه مجدداً بالسلطة، واعتبر في رد غير مباشر على «مبادرة الحوار الوطني» التي أطلقها غريمه باشاغا أنه «لا طريق ولا مصير ولا برنامج آخر سوى الذهاب إلى إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية لحل الأزمة الليبية». واعتبر الدبيبة أن «الانتخابات البرلمانية سهلة وقوانينها موجودة، وستصل إلى الانتخابات». المفارقة بهذا الخصوص أن الدبيبة هو نفسه من رفض إجراء الانتخابات بحجة أن قوانينها التي أصدرها البرلمان جاءت غير نزيهة وتخدم أشخاصاً بعينهم، وعندما دخلت الحملات الانتخابية مرحلة حاسمة باغت الجميع بتقديم أوراق ترشحه قبيل إغلاق صندوق تلقي الترشيحات بساعات قليلة فقط.

في ذات الوقت يسعى باشاغا لتوطيد حكمه ضمن مشروعه الموسع للحوار الوطني بقوله يوم الأربعاء الماضي أمام جمع من أنصاره ووزرائه بمجمع قاعات واغادوغو بمدينة سرت إن حكومته «يهمها ممارسة عملها من العاصمة طرابلس دون سقوط قطرة دم واحدة، وإن لم نستطع ذلك فيمكننا أن نشتغل من أي مدينة أخرى وسرت هي الأقرب».

وسط كل هذه المتاهة يجيء ما هو أغرب، وهو موقف القوى الدولية الفاعلة في الأزمة الليبية. فعلى الرغم من مضي ما يزيد على شهرين من نيل «حكومة الاستقرار» برئاسة باشاغا الثقة من مجلس النواب لم تحصل حتى تاريخه على الاعتراف الدولي، ولم تستطع دخول العاصمة طرابلس حتى الآن، بسبب غياب الدعم الدولي لها في ظل حرص معظم، إن لم يكن كل هذه الدول، على التعامل مع الحكومتين كأمر واقع، وحرصاً على أن تكون حليفاً لمن يفوز في النهاية بالصراع.

المستشارة الأممية ستيفاني ويليامز (أمريكية الجنسية) قالت «لسنا في مجال تأييد الحكومات أو الاعتراف بها»، وإن المنظمة الأممية «لا تأخذ موقفاً معيناً في الخلاف حول السلطة التنفيذية في ليبيا، وإنها تركز على عقد المحادثات حول القاعدة الدستورية». تصريح اعتبره أنصار باشاغا «مراوغاً» للهرب من إعلان موقف صريح يتسق مع موقف البرلمان الليبي الذي أسقط حكومة الدبيبة.

الأمل بات معقوداً على الاجتماعات المقررة قريباً في القاهرة للجنة المشتركة بين البرلمان الليبي والمجلس الأعلى للدولة التي يترأسها خالد المشري المعروفة باسم «لجنة المسار الدستوري» بوساطة وإشراف أممي تقوده ستيفاني ويليامز، لعل مخرجات هذا الاجتماع تضع نهاية لصراع الشرعيات المحتدم في ليبيا.