تفتك في الكويت منذ زمن الفتاوى الرسمية وغير الرسمية حتى بلوغ التدافع نحو إطلاق ما يسمى بالبِدع، التي تهدف كما يبدو إلى اقتلاع العادات التراثية من جذورها وخطف الابتسامة البريئة من الأطفال وإثارة الفتنة في المجتمع الكويتي وتفتيت نسيجه.

يبدو أن الدولة بمؤسساتها تنازلت طوعياً عن مسؤولياتها تجاه حماية مواد الدستور وتاريخ الدولة منذ النشأة حتى اليوم.. أفرغ من أفرغ الدستور من مضامينه العظيمة، من دون أن نرى موقفاً رسمياً رادعاً لمن استمرأ استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لأغراض مسمومة!

بتقديري استسلمت معظم الحكومات المتعاقبة، إلى ضغوط التيارات الدينية المتشددة وفوضى إنفاذ الفَتاوَى في إدارة شؤون البلاد، فلا حاجة إذن للدستور الذي أفرغ من محتواه بمباركة حكومية نتيجة صمت وفزع من الصوت الغوغائي العالي!

يبدو أن الحكومة سلمت رقاب المواطنين ومستقبل البلاد لأحزاب الإسلام السياسي والجهادي أيضاً، الذين نبذتهم كل البلدان فاحتضنتهم الكويت، من دون إدراك خطورة ذلك على المجتمع والدولة ككل.

فتَاوَى شتى تتعلق بالمرأة والاختلاط وعملها المدني علاوة على التراث الشعبي، عادت تطل على المجتمع من أفراد لا علاقة لهم بالتاريخ ولا الدين الإسلامي، في حين لا نسمع صوتاً للحكومة ولا المؤسسات المعنية في التصدي لهذا العبث والتشويه المتعمد!

خطف البعض من الأطفال في شهر رمضان الماضي فرحة «القرقيعان» التي تأتي في منتصف الشهر كعادة شعبية عرفتها الكويت منذ القدم، تحت مسمي «البِدْعة»، في حين انبرى آخرون في «عدم جواز» الاختلاط في المناسبات الرمضانية كـ«الغبقة»، وهو تجمع اجتماعي رمضاني تقليدي.

لا يملك أي فرد أو جماعة حق الوصاية على الدين والمجتمع، كما لا يجوز إصدار فتَاوَى مثيرة للجدل العقيم والسقيم، فسكوت الحكومة لا يعني رضا الشعب بكل أطيافه وفئاته ومن الجنسين أيضاً على تجاوز الدستور والتعدي على الحريات المدنية للآخرين.

الواجب على مؤسسات المجتمع المدني والقوى السياسية استنكار ورفض اللجوء للفتاوى حتى لا تتكرر الخطيئة ومن أجل أن تدرك السلطة الحكومية رفض الشعب الكويتي للوصاية وصمت مؤسسات الدولة على انتشار فوضى الفتَاوَى والسوابق الخطيرة.

نرفض تجاوز دستور الدولة، بل نستنكر كمجتمع مدني هذا التجاوز من البعض وكذلك مهادنة الحكومة لمن يقف وراء تلك الفتَاوَى والبِدْع والتحريم العشوائي والاجتهادي الفردي، فالنتيجة الحتمية ستقود إلى مواجهة شعبية في الصف الكويتي قد لا تحمد عقباها.

ثمة دول دفعت الثمن باهظاً نتيجة تمدد الفكر المتشدد والإرهابي وتعلمت الدروس من ذلك، ووقفت أنظمتها بصرامة وحزم ضد الجماعات والأفراد الذين يحرمون كما يشاؤون ويفتتون المجتمعات وفقاً لرغبات ليس لها أساس شرعي وقانوني.

الدور على الكويت في استيعاب دروس الغير والماضي الكويتي القريب قبل أن تتمدد سموم مظاهر التشدد الفكري وتشتعل نار الفتنة لتصبح الكويت مأوى للفتَاوَى والبِدع المبتكرة رسمياً وغير رسمي.