الرجال المخلصون يبقون في القلوب وإن رحلوا بأجسادهم، والقادة المميزون ينحتون أسماءهم في الذاكرة، ويشكّلون مفصلاً رئيسياً في حياة الشعوب والأمم، والزعماء المُحبّون الرحيمون يعيشون في ضمائر الناس وتفاصيل حياتهم. والمغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيّب الله ثراه، الرئيس الثاني لدولة الإمارات العربية المتحدة، جمع تلك الصفات بجدارة القائد والزعيم والأب، وعهده كان ثرياً مُثمراً مُفعماً بالإنجازات، بصفته استمراراً لفكر وسياسة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، أول رئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة، ومؤسّس نهضتها، وباني دولتها. وحين يكون الخلف على انسجام تام مع رؤية السلف، تتحقّق الاستدامة في التطور والبناء، والاستدامة إضافة على المُنجز كمّاً ونوعاً، وتعزيز للمنهج والاستراتيجية.

لقد كان الشيخ خليفة، رحمه الله، رجل دولة بامتياز، قاد الإمارات في زمن كثُرت فيه الأزمات الإقليمية، وأهمّها ما سُمّي زوراً وبهتاناً بالربيع العربي، زمن تعقّدت فيه التحالفات والولاءات، ونشط فيه الإرهاب في المنطقة والعالم، فأطاح برؤساء وهدم دولاً وقتل مئات الآلاف وشرّد الملايين، وكانت مخرجاته وبالاً على الشعوب والأمة. وتمكّن الشيخ خليفة بن زايد، رحمه الله، من إبقاء دولة الإمارات خارج التجاذبات والمهاترات السياسية والفكرية، فحفظ للدولة استقرارها وأمنها وسلمها، وعزّز التآخي والتضامن والتآزر بين أبناء الشعب، وكان ذلك بالتعاون مع أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى حكّام الإمارات، وولاء وانتماء شعب الإمارات لوطنه وقادته.

لقد آمن الشيخ خليفة بن زايد، رحمه الله، بدور المرأة التنموي، فعمل على تمكينها من خلال القوانين والتشريعات، وأتاح لها فرصة العمل في السياسة بعد أن كانت قد أثبتت كفاءاتها ومهاراتها في جميع الميادين الأخرى، فأصبحت عضوة في المجلس الوطني الاتحادي وبنسبة جيدة، وأصبحت وزيرة تقود التنمية، وسفيرة تمثّل بلدها في عواصم العالم. وقد أدّت دورها باقتدار، فرفعت اسم الإمارات عالياً في المحافل الدولية، وفي الدول التي انتُدبت إليها. وكانت من بين عناصر التمكين مساواة المرأة بالرجل في الامتيازات الوظيفية والراتب، وانعكس هذا على أدائها الوظيفي والمجتمعي.

لعلّ أبرز ما يوصف به عهد الشيخ خليفة، رحمه الله، هو: تحسّس مشكلات المواطن المعيشية، وتأسيسه لتقليد حضاري استمر حتى رحيله. وتشهد على الأول البرامج الإسكانية التي بلغت تكلفتها مليارات الدراهم، وشملت مجمعات سكنية متكاملة جديدة، وصيانة المنازل القديمة، واستحداث مناطق سكنية، وهناك مشاريع موازية تتعلق بالبنية التحتية وبناء السدود والخزانات، إضافة إلى اهتمامه، رحمه الله، ببناء المستشفيات التخصصية وملحقاتها. وفي إطار تحسسه لمشكلات المواطن، أسّس هيئات ومكاتب تُعنى بالمديونين المتعثّرين، وتنظيم العلاقة بين المواطن والبنوك، وتلك مبادرة أسعدت فئات كثيرة، وحلّت مشكلات نفسية واجتماعية عديدة.

أما المسألة الثانية فتتمثّل في تأسيس تقليد حضاري جعل من مجتمع الإمارات شعلة من الحركة والعمل المتواصل على مدار العام، وتجسّد في تخصيص أعوام محددة لتنفيذ برامج اجتماعية وثقافية وصحية وبيئية وغيرها، فكان عام التطوع، وعام الابتكار، وعام العطاء، وعام الخير، وعام القراءة، وعام زايد، فغطت المبادرات مناطق الإمارات كافة، وخلقت جواً من التفاعل بين الأفراد والمؤسسات. وهذا التقليد يوسّع فضاءات الإنسانية في المجتمع، ويكشف المواهب والقدرات والمبدعين.

وعلى ذكر المبدعين، فقد ازدهر في عهد الشيخ خليفة، رحمه الله، العمل الثقافي، على شكل مسابقات وجوائز قيمة، ذاع صيتها عربياً وعالمياً. وفي المحصّلة نالت الإمارات لقب أسعد شعب، ولا يزال يتقدّم في كل دورة، في مؤشرات التنمية المختلفة.

لقد واصل الشيخ خليفة بن زايد، رحمه الله، تعزيز الفكر الوحدوي الذي قامت عليه الدولة، وامتدّ ليشمل مجلس التعاون لدول الخليج العربي، ودعم الدول العربية، وامتدت أياديه البيضاء إلى مناطق عديدة في العالم. تغمّد الله الشيخ خليفة برحمته، وأسكن روحه فسيح جناته.