من المقرر أن تعقد مجموعة العشرين G20 (تأسست رسمياً في سبتمبر 1999، وتعد منتدىً دولياً لمناقشة السياسات المتعلقة بتعزيز الاستقرار المالي العالمي ومعالجة القضايا الدولية بحضور قادة أو ممثلي 19 دولة صناعية + الاتحاد الأوروبي) قمتها المقبلة في جزيرة بالي الإندونيسية في أكتوبر المقبل.

يرى بعض المراقبين أن هذه القمة سوف تكون تحدياً وامتحاناً صعباً لإندونيسيا كونها تأتي في ظل ظروف وتعقيدات عالمية غير مسبوقة ناجمة عن الصراع الحالي بين القوى العالمية الكبرى بعد قيام روسيا، وهي دولة مؤسسة للمجموعة وعضو بارز فيها، بشن عمليتها العسكرية في أوكرانيا، خصوصاً وأن مصادر دبلوماسية روسية ألمحت إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعتزم حضور القمة رغم علمه المسبق بأنه سوف يواجه انتقادات ومواقف غير ودية من قبل الأعضاء الكبار.

ويرى فريق آخر من المراقبين أن القمة قد لا تنعقد في تاريخها المحدد بسبب مقاطعة محتملة من دول عديدة إذا ما تأكدت مشاركة بوتين. بينما يرى فريق ثالث أن بوتين سيوفر الحرج على نفسه وعلى الدول المضيفة عبر إيجاد مبرر ما لعدم مشاركته شخصياً في قمة بالي، خصوصاً وأنه تذرع بجائحة كورونا للغياب عن قمة المجموعة السابقة التي عقدت العام الماضي في روما. هذا ناهيك عن أنه خفض في الأعوام الأخيرة رحلاته إلى الخارج، فلم يزر العام الماضي مثلاً سوى سويسرا والهند للاجتماع بنظيريه الأمريكي والهندي على التوالي. واكتفى في العام الجاري برحلة إلى بكين للاجتماع بالزعيم الصيني شي جين بينغ.

والحقيقة أن التوقعات حول القمة المذكورة بدأت تثير منذ الآن ردود أفعال متباينة، منها أن رئيس الحكومة الأسترالية سكوت موريسون قال معلقاً: «إن منح بوتين مقعداً في القمة خطوة مستبعدة جداً»، ومنها أيضاً ما قاله مسؤول كبير سابق في الخارجية الأمريكية من أنه لا يمكن تخيل مشاركة بوتين في قمة العشرين القادمة.

غير أن الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، يعتقد أنه قادر على استضافة القمة وقيادتها إلى شاطئ الأمان دون عراقيل، معتمداً على مهاراته في إقناع نظرائه من قادة المجموعة بوضع الملف الأوكراني جانباً والتركيز على القضايا الاقتصادية التي تأسست مجموعة العشرين أساساً من أجلها. ويُعتقد أن ويدودو تعمد، في تعليقه على أحداث أوكرانيا الشهر الماضي، أن يكون محايداً قدر الإمكان كي يكسب ود الجميع ويتفادى إغضاب روسيا أو أي من خصومها، فقد أصدر بياناً وصف فيه الحدث بالعمل «غير المقبول»، دون أن يشير إلى روسيا أو يستخدم كلمة «غزو»، كما حث مجلس الأمن الدولي على التدخل للحيلولة دون تفاقم الأوضاع في أوكرانيا.

ومما قيل، في السياق نفسه، أن بعض مساعدي الرئيس الإندونيسي اقترحوا عليه أن تمتنع إندونيسيا عن التصويت على قرار إدانة روسيا في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 2 مارس المنصرم، لكن ما حدث هو أن إندونيسيا كانت من بين 141 دولة صوتت لصالح القرار مع استبعاد فكرة فرض عقوبات على موسكو. وفي خطوة تلت التصويت بعدة أيام سارعت وزيرة الخارجية الإندونيسية ريتنو مارسودي بالاتصال بنظيرها الروسي سيرغي لافروف، لتوضح له موقف بلادها القائم على تجنب التورط في صراعات القوى الكبرى، والالتزام بسياسات خارجية عمادها دعم فرص الحوار والعمل الدبلوماسي تحقيقاً للسلام.

في مقابل ثقة ويدودو العالية بقدرة بلاده على تجاوز الإشكالات المحيطة بالقمة، لوحظ ارتفاع أصوات سياسية وأكاديمية في جاكرتا تطالبه بطرح الملف الأوكراني على القمة واستخدام منصبه كرئيس حالي لمجموعة العشرين في إيجاد حل للقضية بدلاً من التهرب منها إلى القضايا الاقتصادية، التي من الصعب مناقشتها اليوم دون إقحام الموضوع الأوكراني فيها كون الأخير تسبب في أزمة طاقة عالمية، وأشعل حرباً ومقاطعات تجارية ومصرفية وأثر على سلاسل توريد الغذاء.

لقد قيل إن مواقف ويدودو الحائرة ناجمة عن قلة خبرته في الشؤون الخارجية، لكن من الواضح أيضاً أن حرصه على تجنب إغضاب موسكو انعكاس لموقف الشارع الإندونيسي المناهض في غالبيته للولايات المتحدة والغرب والمتعاطف مع روسيا، خصوصاً في ظل اقتناع قطاع كبير من العوام ممن يعتقدون أن روسيا تخوض حرباً ضد الانفصاليين المدعومين من الغرب. والمعروف أن مثل هذا الاعتقاد يثير العواطف في بلد له تاريخ طويل وصراعات مريرة مع الحركات الانفصالية.

من جانب آخر، يثير البعض فكرة دعوة أوكرانيا لحضور قمة بالي جنباً إلى جنب مع العديد من الدول غير الأعضاء والمنظمات الدولية والإقليمية المدعوة. وهذه الفكرة، التي تحظى بتأييد عدد من دول المجموعة وتقاومها موسكو وبكين تحديداً، لو نـُفذت فإنها ستحول أجواء القمة إلى ساحة حرب.