أصدرت حكومة «طالبان» فتوى تحريم مدارس البنات(23/3/2022)، ومِن عُقْرِ الدَّار قندهار. لأنَّ تسميتها فتوى لأنَّ الحركة انطلقت بإفتائها من الشَّريعة، وهم رجال دين يحكمون أفغانستان، وليس رجال دولة، فالحركة لا تعترف بوجود دولة، كأيّ ميليشيا أو حزب ديني، إنما تحكمها كإمارة ضمن إمبراطورية موهومة.
فاضت دموع الأفغانيات، وحبست استغاثاتهنَّ، في أجواء الانشغال بحرب روسيا وأوكرانيا، ولربَّما أنَّ الحكومات الغربيَّة، مع حرصها على حقُّوق الإنسان، اعتبرته شأناً أفغانياً، وفي هذه شيمتهما عدم التّدخل بشؤون الغير! بينما ما حصل كان إعداماً للعقل، لا يخص أفغانستان فقط، فمثلما تناسل الإرهاب الدِّيني منها سيولد مضاعفاً.
عادت طالبان حاكمةً(في 16 أغسطس 2021) بقرار ديمقراطيّ أميركي، بعد سقوط إمارتها(مطلع ديسمبر/2001)، وكان يوماً مشهوداً، تعلق أفغانيون بعجلات الطَّائرات هروباً مِن العمائم السُّود. تحدث الأميركان عن شروط على الحركة، منها تعليم البنات، مع أنَّ الجماعات الدِّينيَّة كافة تشترك في «التَّمكين»، ولا ندري هل أراد «الدِّيمقراطيون» تبرير وتمرير عودة «طالبان»، أم أنهم مازالوا بوهم وجود إسلام سياسي معتدل، و«طالبان» ضمنه؟!
إنَّ أولَ ما يستهل به أيّ تنظيم أو حكم إسلاميّ، العودة بالمرأة إلى الوراء البعيد، مع اختلاف الدَّرجات، فمن رضي بتعليمها، قطعاً لا يرضى بالاختلاط. بيد أنَّ «طالبان» الأكثر صدقاً، حرمت تعليمهنَّ، تمثلاً بما احتسبه ابن الأخوة(ت: 726هج) في «الحسبة على مؤدبي الصِّبيان»: «علموهنّ سورة النُّور، وقيل إنَّ المرأة التي تتعلم الخط، كمثل الحيَّة تُسقى سُمّاً»(معالم القِربة)، وما رواه الشَّهرستاني(ت: 548هج) لفيلسوف يوناني: «ورأى جارية تتعلم الكتابة فقال: يُسقى هذا السَّهم سُمّاً ليُرمى به يوماً»(الملَّل والنِّحل).
ظل تعليم المرأة سُمّاً زعافاً، فقد صنف أبو البركات الآلوسي(ت: 1899) «الإصابة في منع النِّساء عن الكتابة»، ويبدو أنَّ مُحمَّد العسافي(1893-1974) ردَّ بـ«الإصابة باستحباب تعليم النِّساء الكتابة»، دون إشارة، ذلك لصلاته بآل الآلوسيّ. كان ما صنفه الآلوسيّ تحسباً لفتح مدرسة بنات ببغداد، وبالفعل تأسست المدرسة(1904)، بعد جدل في مواصفاتها، لتكون حصينةً حصانةَ السِّجن، فانبرى عضو لجنة المعارف جميل صدقي الزَّهاويّ(ت: 1936) ساخراً، واقترح رأس المنارة مكاناً لها(الهلالي، قال لي هؤلاء).
غير أنَّ المعريّ(ت:449هج)، قال بما يتفق مع طالبان، لسببٍ آخر، وإلا فهو رجل التَّنوير في زمانه: «فحمل مغازلِ النِّسوان أولى/ بهنَّ مِن اليراعِ مقلماتِ/ سهامٌ إنْ عرفنَ كتابَ لِسنٍ/ رجعنَ بما يسوءُ مُسمَّماتِ»(لزوم ما لا يلزم). أما السَّبب فكان الحرمان منهنَّ، قال في مطولته «تَرنم في نهاركَ»: «ولا يُدنينَ مِن رجلٍ ضريرٍ/ يُلقنهنَّ آياً محكماتِ».
لا بلد إسلاميّاً لم تثر به ضجة تعليم البنات، والفرق أنَّ الحكومات عادة تسعى لتعليم البنات، ورجال الدِّين ضدها، بينما بأفغانستان أتى التَّحريم مِن الحكومة نفسها، فهي مثلت ابن الأخوة والآلوسي والنَّاس مثلوا العسافي، داخل المجال الدِّينيّ.
المخيف في الأمر، أنه يُقام في القرن الـ21 نظام يُحرم تعليم البنت، أما دول نظامها ديني تمنع الاختلاط، والمبرر، مِن غير الدِّين، خطورة الاختلاط، لكنَّ تلك الدُّول لو أحصت المفاسد لعرفت أسبابها ليس الاختلاط إنَّما نظامها، عندما يكون الحجاب قراراً حكومياً. أقول: أين نضع نظاماً يمنع تعليم البنات اليوم، مِن الحِقب التَّاريخيَّة، أم أنَّه خارج الأزمان! غير أنَّ الماء يملأ الأفواه عندما يأتي الحديث عن تشكيل «طالبان»، والجماعات التي تخرجت في الحرب الأفغانيَّة، طالما اعتبرت دينيَّةً دفاعاً عن الإسلام!
- آخر تحديث :
التعليقات